السؤال
ما معنى: الحسنات الجاريات، والسيئات الجاريات؟ وما أمثلة الأمرين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعرف في النصوص الشرعية، ولا في كلام المتقدمين من أهل العلم ما يسمى بالحسنات الجاريات، والسيئات الجاريات، ولعل السائل يقصد بها الأعمال التي يجد الإنسان أثرها بعد موته، أو توقفه عنها.
والجواب: أن من عمل طاعة، واقتدى الناس به، أو دلهم عليها فامتثلوا، وعملوا بما دلهم عليه، فإنه ينال أجر من تبعه، وكذلك الأمر في المعصية، فإنه يتحمل إثم من تبعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا. رواه مسلم، ولما في صحيح مسلم: من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا، وفي صحيح البخاري: ليس من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل.
و قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل:25}، وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {يس:12}.
قال ابن كثير: أي: نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضًا، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، كقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا ـ رواه مسلم. اهـ.
ومن الأمثلة التي تدخل في هذا البدع والمحدثات، فقد قال الإمام النووي في شرح الحديث: فيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسنّ السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين: والمراد بالسنة في قوله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة.. ابتدأ العمل بسنة، وليس من أحدث؛ لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه فهو رد، وليس بحسن، لكن المراد بمن سنها، أي: صار أول من عمل بها، كهذا الرجل الذي جاء بالصدقة ـ رضي الله عنه ـ فدل هذا على أن الإنسان إذا وفق لسن سنة حسنة في الإسلام ـ سواء بادر إليها، أو أحياها بعد أن أميتت ـ وذلك لأن السنة في الإسلام ثلاثة أقسام:
سنة سيئة: وهي البدعة، فهي سيئة، وإن استحسنها من سنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة.
وسنة حسنة: وهي على نوعين:
النوع الأول: أن تكون السنة مشروعة، ثم يترك العمل بها، ثم يجددها من يجددها، مثل قيام رمضان بإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في أول الأمر الصلاة بإمام في قيام رمضان، ثم تخلف خشية أن تفرض على الأمة، ثم ترك الأمر في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وفي أول خلافة عمر، ثم رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن يجمع الناس على إمام واحد ففعل، فهو ـ رضي الله عنه ـ قد سن في الإسلام سنة حسنة؛ لأنه أحيا سنة كانت قد تركت.
والنوع الثاني من السنن الحسنة: أن يكون الإنسان أول ما يبادر إليها مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل.
فالحاصل أن من سن في الإسلام سنة حسنة ـ ولا سنة حسنة إلا ما جاء به الشرع ـ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده. اهـ.
وقال المباركفوري في شرح المشكاة: من دل أي: بالقول, أو الفعل, أو الإشارة, أو الكتابة على خير أي: علم, أو عمل مما فيه أجر وثواب، فله أي: فللدال مثل أجر فاعله، أي: من غير أن ينقص من أجره شيء, قاله القاري, وقال المناوي: فله مثل أجر فاعله أي: لإعانته عليه, وهذا إذا حصل ذلك الخير, وإلا فله ثواب دلالته, قال النووي: المراد أن له ثوابًا بذلك، كما أن لفاعله ثوابًا, ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. انتهى.
ومما ينفع الإنسان، ويجري عليه ثوابه ما جاء في الحديث الصحيح من الصدقة الجارية، والعلم النافع، ودعاء الولد الصالح، وتراجع للمزيد الفتاوى التالية أرقامها: 233521، 55463، 32151.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني