السؤال
كيف يختلف الحكم الشرعي في هاتين الحالتين، بالرغم من أن صاحبيهما متعمدان:
1- المفطر المتعمد في نهار رمضان.
2- المجامع لزوجته.
الأول حكمه أن عليه إطعام ستين مسكينا، والقضاء، أما الثاني فتحرير رقبة، ثم الإطعام؟
كيف يختلف الحكم الشرعي في هاتين الحالتين، بالرغم من أن صاحبيهما متعمدان:
1- المفطر المتعمد في نهار رمضان.
2- المجامع لزوجته.
الأول حكمه أن عليه إطعام ستين مسكينا، والقضاء، أما الثاني فتحرير رقبة، ثم الإطعام؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البداية ننبه على أن هذا السؤال لا يخلو من غموض, ثم ما ذكره السائل من أحكام تخص من أفطر بجماع, أو غيره، لم نقف على من قال بها من أهل العلم.
وتفصيل القول في هذه المسألة هو: أن العلماء اتفقوا على أن من أفطر عمداً بجماع لزمته الكفارة, وأما من أفطر عمداً بغير الجماع، فاختلفوا في وجوب الكفارة عليه، ولعل القول الراجح في ذلك أنه لا تجب الكفارة بالفطر بغير جماع؛ لأن النص بوجوب الكفارة، ورد في الجماع، ولأنه أغلظ, وأشد انتهاكا لحرمة الشهر من غيره.
وتفصيل أدلة هذين القولين جاء في الموسوعة الفقهية كما يلي: وجوب الكفارة بتعمد الأكل والشرب ونحوهما في نهار رمضان، وإليه ذهب الحنفية، والمالكية، وبه قال عطاء، والحسن، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور.
واستدلوا بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يعتق رقبة. وبما روي من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من أفطر في رمضان متعمداً، فعليه ما على المظاهر.
ووجه الدلالة من هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الحديث الأول من أفطر في نهار رمضان أن يعتق رقبة، دون أن يفرق بين إفطار وإفطار، وجعل جزاء الفطر متعمداً في الحديث الثاني، جزاء المظاهر مطلقاً، والمظاهر تجب عليه الكفارة، فتجب على كل من أفطر بأكل، أو بغيره، وقالوا: إن الكفارة تتعلق بالإفساد لهتك حرمة الشهر على سبيل الكمال لا بالجماع؛ لأن المحرم هو الإفساد دون الجماع، ولهذا تجب عليه بوطء منكوحته، ومملوكته إذا كان بالنهار لوجود الإفساد، لا بالليل لعدمه، بخلاف الحد، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام جعل علة لها بقوله: (من أفطر في رمضان...) الحديث، فبطل القول بتعلقها بالجماع، ولا نسلم أن شهوة الفرج أشد هيجاناً، ولا الصبر عن اقتضائه أشد على المرء، بل شهوة البطن أشد، وهو يفضي إلى الهلاك، ولهذا رخص فيه في المحرمات عند الضرورة لئلا يهلك، بخلاف الفرج؛ ولأن الصوم يضعف شهوة الفرج، ولهذا أمر عليه الصلاة والسلام العزب بالصوم، والأكل يقوي شهوة البطن، فكان أدعى إلى الزاجر.
القول الثاني: عدم وجوب الكفارة بتعمد الأكل والشرب ونحوهما في نهار رمضان، وإليه ذهب الشافعية، والحنابلة، وبه قال سعيد بن جبير، والنخعي، وابن سيرين، وحماد، وداود.
واستدلوا بأن الأصل عدم الكفارة إلا فيما ورد به الشرع، وقد ورد الشرع بإيجاب الكفارة في الجماع، وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ، ولهذا يجب به الحد في ملك الغير، ولا يجب فيما سواه، فبقي على الأصل، وإن بلغ ذلك السلطان عزره؛ لأنه محرم ليس فيه حد ولا كفارة، فثبت فيه التعزير، كالمباشرة فيما دون الفرج من الأجنبية، وبأنه أفطر بغير جماع، فلم يوجب ذلك الكفارة، كبلع الحصاة، أو التراب، أو كالردة عند مالكٍ، ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا، ولا إجماع، ولا يصح قياسه على الجماع؛ لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس، والحكم في التعدي به آكد؛ ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً، ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته، ووجوب البدنة، ولأنه في الغالب يفسد صوم اثنين بخلاف غيره... انتهى.
وهذه الكفارة على الترتيب عند الجمهور: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يقدر على ذلك، فليصم شهرين متتابعين، فان عجز عن ذلك، فليطعم ستين مسكيناً، ولا ينتقل من خطوة منها إلى الخطوة التي تليها إلا عند العجز عن السابقة.
وعند المالكية على التخيير، فيمكن للشخص فعل أي خصلة منها, وإن كان الإطعام عندهم أفضل.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: والكفارة على من أفطر متعمدا بأكل، أو شرب، أو جماع مع القضاء، والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك أحب إلينا، وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين. انتهى.
وفى المغنى لابن قدامة الحنبلي: المشهور من مذهب أبي عبد الله، أن كفارة الوطء في رمضان ككفارة الظهار في الترتيب، يلزمه العتق إن أمكنه، فإن عجز عنه انتقل إلى الصيام، فإن عجز انتقل إلى إطعام ستين مسكينا. وهذا قول جمهور العلماء. وبه يقول الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي. وعن أحمد رواية أخرى، أنها على التخيير بين العتق، والصيام، والإطعام، وبأيها كفر أجزأه. وهو رواية عن مالك؛ لما روى مالك، وابن جريج، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، «أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا» . رواه مسلم و (أو) حرف تخيير. ولأنها تجب بالمخالفة، فكانت على التخيير، ككفارة اليمين. انتهى
وفى رد المحتار لابن عابدين الحنفي متحدثا عن هذه الكفارة:(قوله: ككفارة المظاهر) مرتبط بقوله: وكفر أي مثلها في الترتيب، فيعتق أولا، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا؛ لحديث الأعرابي المعروف في الكتب الستة. انتهى.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 13076.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني