الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الطلاق المعلق، وتزوج البنت بدون موافقة والدها بسبب رفضه

السؤال

المشايخ الأفاضل عندي سؤالان: قبل 3 سنوات ـ أي في عام 2009 ـ طلب خالي يد أختي من أبي لابنه فوافق أبي وخطب أختي في عام 2009 مع العلم أننا في دولة أخرى غير بلدنا الأصلي ونسافر بعد كل 3 سنوات إلى بلدنا الأصلي وحصلت الخطبة في عام 2009 عند زيارتنا في الإجازة الصيفية، وبعد مرور 3 سنوات بقيت أختي في بلدها الأصلي ولم ترجع معنا للبقاء مع أمي وإخوتي الذين يعيشون هناك بسبب مشكلة في الفيزا، وبعد رجوعنا ب7 أشهر طلب خالي أن يزوج أختي لابنه من أمي، فاتصلت أمي بأبي لإخباره بأن خالي يريد تزويج أختي لابنه، ولكن أبي رفض وقال إنه يريد تزويجهما عندما يرجع، ولكن خالي أصر على تزويج أختي لابنه، وقال إنه لا يريد التأجيل، لأنه قد جهز جميع مستلزمات الزواج ولا يريد أن يخسر المال، وحصل جدال بين أبي وخالي وأمي، لأن أبي لا يريد تزويج أختي الآن وخالي وأمي يريدان تزويجها، وهدد أبي خالي أنه إذا تم الزواج فسوف يطلق أمي، وبالفعل قال أبي لخالي في الجوال إنه إذا زوج أختي رغما عنه فإنه سوف يطلق أمي، ونطق: بأختك ـ أي أمي ـ طالق 3 مرات إذا تم الزواج، وقالها 3 مرات لخالي، وكررها 3 مرات أخرى لابن أخيه ـ أي ابن عمي ـ في الجوال، فهل وقع الطلاق على أمي 3 مرات؟ أم طلقتين أم طلقة واحدة؟ وهل يجوز أن يرجعها إلى عصمته؟ أم أنها حرمت عليه؟ علما بأنه مرت سنة كاملة وشهر تقريبا على هذه الحادثة ولم نذهب إلى بلدنا ومنع أبي إرسال المال لأمي وأسرتي هناك ومنعنا من التواصل معهم وهم يتصلون يوميا يطلبون المال لحاجتهم، ونحن لا نقدر على فعل أي شي.
السؤال الثاني: تزوجت أختي من ابن خالي ورزقت بطفلة منه، فهل زواجها باطل مع ابن خالي أم لا، بسبب رفض أبي لهذا الزواج مع أنه كان موافقا على الخطبة من البداية قبل 3 سنوات، مع العلم أن أختي عمرها الآن 22 سنة؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

بخصوص السؤال الأول: فإن الجمهور على أنّ الطلاق المعلّق يقع إذا وقع ما علّق عليه, سواء قصد به الزوج الطلاق، أو قصد التهديد, أو المنع, ونحو ذلك، وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع ثلاثًا ـ وهذا هو المفتى به عندنا ـ خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمّية الذي يرى عدم وقوع الطلاق المعلق إذا قصد به التهديد, أو التأكيد, أو المنع, ونحو ذلك, وأنّه يمكن حلّه بكفارة يمين, وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظر الفتوى رقم: 19162.

وبذا تعلم أنه بحصول ما علق عليه أبوك الطلاق تصبح أمك مطلقة بالثلاث، ولا تحل لأبيك حتى تنكح زوجا غيره ـ نكاحا صحيحا ليس بقصد التحليل ـ ويطلقها ذلك الزوج بعد الدخول بها، وتخرج من عدته، وهذا على ما نفتى به، وهو مذهب الجمهور ـ كما قدمنا ـ أما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فللمسألة حالتان:

الأولى: إن كان أبوك لم يقصد تعليق الطلاق على حصول زواج ابنته, وإنما قصد المنع من ذلك, فأكد بتلك اليمين, فإن حصل زواج البنت لم يقع الطلاق, وإنما تلزم الأب كفارة يمين بالله, وهي مبينة في الفتوى رقم: 2022.

والثانية: إذا كان الأب قصد تعليق الطلاق على زواج البنت, وقد حصل فتلزمه طلقة واحدة.

أما عن السؤال الثاني: فإن زواج البنت باطل ما دام قد وقع دون موافقة الأب الذي هو أولى الناس بمباشرة تزويجها، فموافقة الولي شرط من شروط صحة النكاح، فلا يصح النكاح بدونه، إلا إذا كان الولي عاضلاً لموليته، فإن القاضي حينئذ ينقل الولاية للولي الأقرب بعده، وانظر الفتوى رقم: 5855، والفتوى رقم: 34361، وما أحيل عليه فيها.

وهذا الزواج حيث حكمنا ببطلانه، فإنه يفسخ قبل الدخول وبعده، عند جمهور أهل العلم وانظر الفتوى رقم: 48966.

لكن الأحناف لا يشترطون الولي في النكاح، وعليه.. فلو حكم بصحة هذا النكاح قاض حنفي مضى، لأن حكم القاضى يرفع الخلاف في مثل هذه المسائل، جاء في أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي المالكي: حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ، وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِبُطْلَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ، فَاَلَّذِي كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ يُنْفِذُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 125115.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني