الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ذهاب الزوج إلى الحج بمال قد جمعه ليعتمر به هو وزوجته

السؤال

كنت قد نويت أن أعتمر بصحبة زوجتي، وبدأتْ توفر مبلغا شهريا حتى تكتمل مصروفات العمرة، والآن وقد أوشك المبلغ على الاكتمال تحدثني نفسي بأن أجمع مبلغ العمرة الخاص بي على المبلغ الخاص بزوجتي للذهاب للحج على اعتبار أن الحج فريضة والعمرة سنة، وبطبيعة الحال المبلغ لن يكفي لنا نحن الاثنين فسأنفرد بالحج، مع العلم أن المبلغ الذي أوفره شهريا هو من مدخراتي، وليس لزوجتي دخل مادي. فهل هذا جائز من باب أن الحج فريضة والعمرة سنة أم أن ذلك قد يؤدي إلى رواسب نفسية لزوجتي؟
وأنا أجلها وأحترمها، ولا أريد إغضابها، فما الصواب -جزاكم الله خيرا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على احترامك وإجلالك لزوجِكَ؛ فذلك هو الهدي القويم الذى طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه، وأوصى به أمته فقال: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. متفق عليه.

واعلم أن الراجح من أقوال أهل العلم: أن الحج واجب على الفور إذا كان الإنسان مستطيعًا، كما بينا في فتاوى عديدة، منها: الفتوى رقم: 6546.

والاستطاعة فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بـ: الزاد والراحلة. رواه الترمذي، وابن ماجه. والمقصود بالزاد: ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكول ومشروب وكسوة، ويشترط أن يكون زائدًا على نفقة من تلزمه نفقته من زوجة وأبناء في مدة ذهابه وإيابه فقط؛ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: .. أن يكون صحيح البدن، وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة، أو سيارة، أو دابة، أو أجرة؛ ذلك بحسب حاله، وأن يملك زادًا يكفيه ذهابًا وإيابًا، على أن يكون ذلك زائدًا عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه. اهـ.

والوقت المعتبر في الاستطاعة هو: وقت الحج، لا قبله؛ قال الكاساني: ثم ما ذكرنا من الشرائط لوجوب الحج من الزاد، والراحلة، وغير ذلك، يعتبر وجودها وقت خروج أهل بلده، حتى لو ملك الزاد والراحلة في أول السنة قبل أشهر الحج، وقبل أن يخرج أهل بلده إلى مكة فهو في سعة من صرف ذلك إلى حيث أحب؛ لأنه لا يلزمه التأهب للحج قبل خروج أهل بلده؛ لأنه لم يجب عليه الحج قبله، ومن لا حج عليه لا يلزمه التأهب للحج فكان بسبيل من التصرف في ماله كيف شاء، وإذا صرف ماله ثم خرج أهل بلده لا يجب عليه الحج. فأما إذا جاء وقت الخروج والمال في يده فليس له أن يصرفه إلى غيره -على قول من يقول بالوجوب على الفور-؛ لأنه إذا جاء وقت خروج أهل بلده فقد وجب عليه الحج لوجود الاستطاعة؛ فيلزمه التأهب للحج، فلا يجوز له صرفه إلى غيره، كالمسافر إذا كان معه ماء للطهارة وقد قرب الوقت لا يجوز له استهلاكه في غير الطهارة، فإن صرفه إلى غير الحج أثم، وعليه الحج. اهـ.

وجاء في حاشية الجمل: ...فلو استطاع في رمضان ثم افتقر قبل شوال فلا استطاعة. اهـ.

وفي نهاية الزين في إرشاد المبتدئين: ويعتبر في الاستطاعة: امتدادها في حق كل إنسان من وقت خروج أهل بلده منه للحج إلى عودهم. فمتى أعسر في جزء من ذلك: فلا استطاعة، ولا عبرة بيساره قبل ذلك ولا بعده. اهـ.

وبناء عليه؛ فالحج لم يجب عليك بعد، ولست مطالبًا بالادخار والتوفير حتى تحصل ما تحج به؛ لأن ما لا يتم الوجوب إلا به ليس بواجب، كما بينا في الفتوى رقم: 139404، وبالتالي؛ فلا حرج في أن تعتمر أنت وزوجتك بذلك المال الذي جمعت. وإذا جاء وقت الحج وكنت مستطيعًا لزمك الحج، وإلا لم يلزمك.

أما زوجتك: فإن نفقات حجها ليست واجبة عليك، فإن قدرت عليها وتبرعت بها من تلقاء نفسك، فهذا من الإحسان والمعروف إليها، وإلا فلا حرج عليك.

هذا، وننبه إلى أن المبلغ الذي جمعته لزوجتك من أجل العمرة إن لم تكن وهبته لها فلا إشكال، وإن كنت قد وهبته لها وحازته فقد أصبح ملكًا لها، ولا يحق لك التصرف فيه إلا بإذنها وموافقتها، وإن لم تكن قد حازته فلك الرجوع فيه متى شئت؛ قال ابن قدامة في المغني: والواهب بالخيار قبل القبض؛ إن شاء أقبضها وأمضاها, وإن شاء رجع فيها ومنعها. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 120822، والفتوى رقم: 8968.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني