السؤال
لم أكن أعلم قديما أن هناك من يكفر مؤخر الصلاة متعمدا، وكنت أعلم أن مؤخرها عليه ذنب عظيم، وأعلم أنه لا يجوز الترخص في الأقوال ولكنني لا أميل إلى التكفير، لأنه مرعب حقيقة، ولم أسمع شيخا من المعاصرين يكفره سوى الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ وأنا أثق به وبغيره ولكنه الوحيد الذي قال ذلك، وكثير من الشيوخ الآن لا يكفرون مؤخر الصلاة، فهل يعتبر هذا من الترخص أم لا؟ وهل هناك فرق بين الذي يؤخرها متعمدا، وبين الذي يفعل أخطاء تسبب له تأخير الصلاة كالسهر وكالذي يؤخرها حتى يقرب خروج وقتها وينشغل أو لا ينتبه أو ينسى؟ حيث وقعت في تأخير الصلاة بسبب أفعال تسببت لي في تركها ولا تعتبر من الضرورة، ولم أؤخرها عمدا، كنت أشاهد برنامجا على هاتفي المحمول وكان الوقت قبيل الخروج وتركته وذهبت لأصلي، وعند انتهائي من الوضوء وذهابي للصلاة بقي على خروج الوقت دقيقتان؟ فما حكمي؟.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها من غير عذر شرعي يعتبر ذنبا عظيما وكبيرة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها، وهو اختيار الشيخ ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ والمفتى به عندنا أنه لا يكفر كفرا مخرجا من الملة، وهو قول جمهور أهل العلم, وقد سبق أن ذكرنا أقوال العلماء في ذلك في الفتوى رقم: 122448.
وقد بينا في الفتوى رقم: 120640، موقف العامي عند اختلاف العلماء.
وبالرجوع إليها تعلمين أن أخذك بقول الجمهور ليس من باب الترخص المذموم.
أما بخصوص قولك: وهل هناك فرق بين الذي يؤخرها متعمدا وبين الذي يفعل أخطاء تسبب له تأخير الصلاة كالسهر... فجوابه أن الخطأ لا يستوي مع العمد أبدا، فمن نسي حتى خرج وقت الصلاة، أو لم ينتبه حتى فات الوقت أو نام ولم يستطع أن يستيقظ، فلا إثم عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يعقل. رواه الترمذي وأبو داود.
ولقوله أيضا: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه والبيهقي، وصححهما الألباني.
أما من يشتغل بأمر معين ـ كمتابعة برنامج أو غير ذلك ـ حتى يفوت وقت الصلاة، وهو غير ناس، فلا شك أنه آثم لتعمده تأخير الصلاة عن وقتها، كما أن من سهر عالما أن ذلك سيتسبب في عدم استيقاظه للصلاة في وقتها، وأن وسائل الاستيقاظ لن تنفعه حينئذ، فهو آثم أيضا عند جمع من أهل العلم، وراجعي الفتوى رقم: 270292.
وفي كل الأحوال، فإن الواجب ـ بالنسبة لغير المعذور لنوم أو نسيان ـ فعل الصلاة في أي جزء من أجزاء الوقت، لأنه واجب موسع، فمتى فعلت الصلاة في أي جزء من أجزائه برئت الذمة، مع الأخذ في الاعتبار أنه إن كان ممن تجب عليه صلاة الجماعة، فإنه يأثم إن أخرها حتى فاتته الجماعة، وانظري الفتوى رقم: 16353.
والعلماء مختلفون في القدر الذي تدرك به الصلاة، فبعضهم يرى أنها تدرك بتكبيرة الإحرام، وبعضهم يرى أنها تدرك بركعة، كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى رقم: 190085.
وبناء على القول الأول، فإن السائلة قد أدركت الوقت قطعا إذا أحرمت من حينها، وأما على القول الثاني، فإن كانت في الدقيقتين الباقيتين أتت بركعة تامة فتكون أدركت الوقت وإلا فلا، وينبغي لها أن تحذر من مثل هذا التأخير الذي يعرضها للشك في وقوع صلاتها في الوقت أو خارجه، وعليها أن تحرص على أداء الصلاة في وقتها، وأن تترك أي شيء يتسبب في تأخير الصلاة والانشغال عنها حتى يخرج وقتها.
والله أعلم.