السؤال
عندي سؤالان، وأريد الإجابة عليهما بكل صراحة، وبتفاصيل دقيقة لو سمحت يا شيخ عافاك الله.
والدي منذ سنين يعامل أمي معاملة لا تليق بها. وقد طلقها مرتين لأسباب ليست لها علاقة بها.
الطلاق الأول كان بسبب أخي، أراد الزواج من فتاة، وأبي لم يكن موافقا؛ لأنه يريد أن يزوجه ببنت أخيه. فطلق أمي على أساس أنه يريد أن يخيف أخي. وكذلك المرة الأخرى.
السؤال: يريد الآن أن يطلقها مرة ثالثة، لأسباب ليست لها علاقة بها.
هل إذا طلقها مرة ثالثة عليه نفقة؟ هل عليه الإنفاق على أمي؟ هل عليه أن ينفق على إخوتي الصغار؟
السؤال الثاني عن أبي أيضا.
لي إخوة، متزوجون ويعملون أيضا. أبي لديه عقار (ثلاث شقق) وأيضا إخوتي يرسلون له مبلغا من المال كل شهر. هو الآن ليس راضيا تماما بالمبلغ، ويصر إصرارا أن على إخوتي أن يعطوه مبلغا من المال كل شهر (المبلغ الذي يريده هو) مع العلم أن إخوتي يرسلون شهريا مبلغا من المال لأبي، بالإضافة لإيجار ثلاث شقق. كل يوم يسب كل شخص فينا، ويلعن أمي، وإخوتي. وهو الآن يسب، ويلعن زوجات إخوتي. ليس راضيا تماما عن أي شيء، والسبب الرئيسي المال. مع العلم أنه في كل مرة يكون لديه مال يبدده، ويصرفه بطرق غير منطقية (مثال الآن قد تداين من زوج أختي كي يشتري أرضا زراعية تكلف مليارات. وقد عجز عن سداد الدين، ويطلب منا أن نسدد المبلغ)؟
أيضا كل مرة يغير السيارة الخاصة به، بمبلغ من المال.
السؤال: في مثل هذه الحالة دينا وشرعا ما المفروض أن نفعله، مع العلم أنه يعامل أمي بصورة سيئة جدا جدا (يطردها من غرفة النوم، يسيء لها ولأهلها)
ماذا أفعل يا شيخ في هذه الحالة؟
جزاك الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه التصرفات التي ذكرتها عن أبيك -إن صحت عنه- تنبئ عن شيء من الحمق والسفه، فالزواج شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وسماه القرآن ميثاقا غليظا، قال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، فلا ينبغي أبدا استحقاره، والعمل على توهينه لأتفه سبب، فالطلاق يكره إن لم يكن لحاجة، بل قد يحرم كما ذكر بعض أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: الطلاق على خمسة أضرب: واجب: وهو طلاق المولي بعد التربص، إذا أبى الفيئة، ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية أنه مباح.... اهـ.
ولو قدر أن أوقع والدك الطلقة الثالثة، بانت منه أمك بينونة كبرى، وقد اختلف الفقهاء في البائن هل لها النفقة، والسكنى أثناء العدة أم لا؟ وقد أوضحنا خلافهم في الفتوى رقم: 47983، وإن حصل نزاع في ذلك، فالفيصل المحكمة الشرعية.
ونفقة الصغار الذين لا مال لهم، واجبة على الوالد، حصل الفراق بين الزوجين، أو كانت الزوجية قائمة.
وإننا ننصح بمناصحة هذا الوالد، والسعي في إصلاحه، والحيلولة دون إيقاعه الطلقة الثالثة، فالطلاق له كثير من الآثار السالبة في الغالب.
ولا يجب على إخوتك إعطاء والدك كل ما يطلب منهم من مال، فأخذ الوالد من مال ولده، مقيد بقيود ذكرها الفقهاء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 251809، والأولى بهم الصبر عليه، والعمل على مداراته، واتقاء شره.
ونؤكد على ما ذكرنا من أمر السعي في إصلاحه بمناصحته، ولا سيما في أمر السب واللعن، فإنها من الأمور الخطيرة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 6540. ولتكن النصيحة بالحسنى، والأولى أن تكون ممن له مكانة عنده، ويرجى أن يؤثر عليه.
وننبه إلى أنه مهما أساء الوالد، وجفا، وجار، وظلم، فإن بره، والإحسان إليه باق، لا تسقطه إساءته، وراجع فتوانا رقم: 299887.
نسأل الله له الهداية إلى الصراط المستقيم، وأن يلهمه رشده.
والله أعلم.