الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمران أوجبهما الشارع على المجامع في نهار رمضان

السؤال

شاب أفطر متعمداً في نهار رمضان لكي يزني وزنى ومضت أعوام وتاب إلى الله ونحسبه قد أحسن التوبة، والآن هذا الذنب يعذبه فهل التوبه تجبُّ ما قبلها فلا كفارة عليه أم عليه كفارة وهل هي لليوم الذي أفطره أم للزنا الذي أحدثه في نهار رمضان بعد أن أفطر؟؟ أنتظر الرد سريعاً ليرتاح ويبدأ في التكفير عن ذنبه قبل أن يأتي أجله؟ ولكم جزيل الشكر وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك أن الزنا من أكبر الكبائر وأبشع الجرائم وأعظمها ضرراً على الفرد والمجتمع، وهو -كغيره من سائر المعاصي- أشد حرمة وأعظم إثماً في رمضان منه في غيره. فإذا كان الله عز وجل حرم في نهار رمضان ما أحله في غيره من شرب الماء والاستمتاع بالزوجة ونحو ذلك من الحلال البين، فكيف بارتكاب تلك الفاحشة فيه؟!! وإن ما ارتكبه هذا الشاب عمل خطير ينبئ عن رقة دينه وضعف إيمانه وجرأته على الله عز وجل، لكن الله تعالى مناً منه ورحمة فتح باب التوبة ودعا إليها، ووعد التائبين حقا بقبول توبتهم وتكفير ذنوبهم ولو بلغت ما بلغت، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. أما ما يترتب على من زنى في نهار رمضان من الأحكام في الدنيا، فإنه يحد حد الزنا من جلد أو رجم حسب حاله، ولا يحد إلا إذا رفع إلى السلطان ببينة أو إقرار منه، والأفضل له أن يستتر بستر الله ولا يطلع أحداً على ما حصل منه، وعليه كفارة مغلظة وهي: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على الترتيب، على الراجح من أقوال أهل العلم، والدليل هو ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ للبخاري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، قال: وما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا أجد...... إلى آخره. وهذه الكفارة لا تسقط بالتوبة، وذلك لأن الشارع أوجب على المجامع في نهار رمضان أمرين لا يكفي أحدهما عن الآخر: أحدهما هو: التوبة إلى الله عز وجل. ثانيهما: هو الكفارة. فالتوبة الصادقة تجبُّ ما قبلها من الذنوب لا من الحقوق، كالكفارات -مثلاً- وكالصلاة والصيام، فمن ترك الصلاة والصيام ثم تاب إلى الله تعالى وجب عليه قضاء ما ترك منهما ولا تسقطه التوبة... وهذا الذي قلنا عن وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان محل إجماع إذا لم يحصل فطر قبل الجماع. أما إذا كان قد حصل فطر قبل الجماع ثم حصل الجماع في نهار رمضان -كما في مسألتنا- فإن وجوب الكفارة هو الصحيح -إن شاء الله تعالى- من أقوال أهل العلم، وراجع لمزيد من الفائدة في هذا مجموع فتاوى ابن تيمية الجزء التاسع عشر صفحة 9. والكفارة سببها انتهاك حرمة نهار رمضان بالجماع كما هو واضح من الحديث السابق. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني