الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في صبغ الشعر بالسواد

السؤال

عمري 18 سنة وأعاني من الشيب المبكر منذ طفولتي... وهذا يحرجني كثيرا وأريد أن أكون مثل الجميع الذين في مثل عمري فأقوم كل فترة بصبغ شعري باللون الأسود حتى لا يبقى الشيب، وقد علمت أن صبغ الشعر باللون الأسود حرام، ولكنني ما زلت صغيرا، فهل هذا عذر لأصبغ شعري باللون الأسود أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصبغ الشعر بالسواد الخالص محل خلاف بين أهل العلم، فالجمهور على كراهته، والشافعية على تحريمه، وهو المفتى به عندنا، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 122299، ورقم: 24124.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: من العلماء من رخص فيه ـ يعني الخضاب بالسواد ـ في الجهاد، ومنهم من رخص فيه مطلقا، والأولى كراهته، وجنح النووي إلى أنه كراهة تحريم، وقد رخص فيه طائفة من السلف، منهم: سعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والحسن، والحسين، وجرير، وغير واحد، واختاره ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب له. اهـ.

وقال المازري في المعلم بفوائد مسلم: لم يحرم مالك ـ رضي الله عنه ـ التغيير بالسواد ولا أوجب الصباغ، ولعله يحمل النهي عن التغيير بالسواد على الاستحباب، والأمر بالتغيير على حالة هجن المشيب صاحبها، قال عبد الوهاب: يكره السواد لأن فيه تدليسا على النساء فيوهم الشباب فتدخل المرأة عليه. اهـ.

وقال أبو الوليد ابن رشد في المقدمات الممهدات: أما الخضاب بالسواد: فمن أهل العلم من أجازه، ومنهم من كرهه، لما فيه من التدليس والإيهام أنه باق على حاله من الشباب، فقد تغتر المرأة التي تتزوجه بذلك. اهـ.

ولا يخفى أن علة التدليس هذه منفية في حق السائل وأمثاله من الشباب، فيكون الأمر في حقهم أقرب، ولهم في مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم متسع، وقد نقل ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح طرفا مفيدا من كتاب الخضاب لابن أبي عاصم، ومنه قوله: إن قال قائل: صبغ الرأس واللحية بالسواد غير جائز بل مكروه، واحتج بالأخبار السالفة، قيل له: ليست حجة في النهي ولا زجرا عنه، وذلك أنه ـ عليه السلام ـ إنما أخبر عن قوم علامتهم الخضاب بالسواد، وليس ـ وإن كان الخضاب به علامة لهم ـ منهي منه عن الخضاب به، وقد أخبر عليه السلام أن علامة الخوارج حلق الرءوس، ولم يقل قائل بالنهي عن حلقها كذلك، وفي قوله لأبي قحافة: جنبوه السواد ـ فإنما أمر بذلك لما رأى من هيئته، لأن الخضاب بالسواد إنما يكون لمن يليق به من نضارة الوجه، فأما في صفة أبي قحافة فهو شين، لأنه غير ملائم لمثله ولا مشاكل، وقال الزهري: كنا نخضب بالسواد إذ كان الوجه جديدا، فلما نغص الوجه والأسنان تركناه. اهـ.

ومع ذلك فلو غير الشاب شيبه بغير السواد ـ كالحناء والكتم ـ لكان أولى وأفضل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني