الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من وصف نفسه بالكفر جاهلًا بكون ذلك يخرجه من الملة

السؤال

هل يعذر بالجهل من قال عن نفسه: إنه كافر، وهو لا يدري أن هذا القول يخرجه من الملة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن أطلق على نفسه هذه العبارة، عامدًا لها، عالمًا بمعناها، خرج من الإسلام، ولو كان هازلًا أو لاعبًا، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 136523، 327982، 172829.

والجهل المؤثر هنا هو الجهل بالحكم والمعنى، وليس الجهل بكون هذا القول كفرًا، وقد صرح جماعة من الفقهاء بذلك، قال ملا خسرو في (درر الحكام): من أتى بلفظة الكفر مع علمه أنها كفر: إن كان عن اعتقاد، لا شك أنه يكفر، وإن لم يعتقد، أو لم يعلم أنها لفظة الكفر ولكن أتى بها عن اختيار، فقد كفر عند عامة العلماء، ولا يعذر بالجهل. اهـ.

وقال ابن نجيم في البحر الرائق: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلًا أو لاعبًا، كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به قاضي خان في فتاويه. ومن تكلم بها مخطئًا أو مكرهًا، لا يكفر عند الكل. ومن تكلم بها عالمًا عامدًا، كفر عند الكل، ومن تكلم بها اختيارًا جاهلًا بأنها كفر، ففيه اختلاف. اهـ. وهذا الخلاف إنما يجري في الألفاظ التي يجهل كون مثلها كفرًا.

وأما الألفاظ الواضحة الصريحة، فلا، قال محمد أنور شاه الكشميري في (إكفار الملحدين في ضروريات الدين): من قال: إن الجهل بكون الكلمة كفرًا عذر، أراد في غير الضروريات - وذكر نحو كلام الحنفية السابق، ثم قال: - وهذا الخلاف في غير الضروريات. وأما هي، فليس فيها إلا الاستتابة. اهـ.

وقال الصنعاني في (تطهير الاعتقاد): صرَّح الفقهاء في كتب الفقه في باب الرِّدة أنَّ مَن تكلَّم بكلمة الكفر يَكفر، وإن لَم يقصد معناها. وهذا دالٌّ على أنَّهم لا يعرفون حقيقةَ الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفارًا كفرًا أصليًّا .. اهـ.

وقد سئل الشيخ أبو بطين (كما في الدرر السنية) عن معنى قول الصنعاني هذا، فأجاب: قوله: "وقد صرح الفقهاء في كتبهم بأن من تكلم بكلمة الكفر، يكفر، وإن لم يقصد معناها"، فمرادهم بذلك: أن من يتكلم بكلام كفر، مازحًا أو هازلًا، وهو عبارة كثير منهم، في قولهم: من أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين، وإن كان مازحًا؛ لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. وأما من تكلم بكلمة كفر، لا يعلم أنها كفر، فعرِّف بذلك، فرجع، فإنه لا يحكم بكفره، كالذين قالوا: "اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط". اهـ.

ومثل هذه العبارة "اجعل لنا ذات أنواط" مما يجهل كون مثله كفرًا، يختلف حكمها عن حكم العبارات الصريحة التي لا يجهل كون مثلها كفرًا! وهذا شأن كل مسائل العذر بالجهل، يُفرَّق فيها بين المعلوم من الدين بالضرورة وما اشتهر حكمه ومعناه، وبين ما يحتمل الجهل. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 178443، 273493.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني