السؤال
أنا شاب مات والديّ، ولي أختان، وعندنا شقة تمليك كانت باسم والدي، وهي الآن ميراث، وأنا متزوج، وعندي طفلان، وأختاي واحدة منهما متزوجة، ومقيمة في بيت زوجها، والأخرى غير متزوجة، ومقيمة في شقة الميراث.
بعد وفاة أمي كانت أختي المتزوجة تقيم مع أختي 3 أو 4 أيام في الأسبوع، وكنت أفرح؛ لأنها تملأ فراغها، ولكن بدأت أختاي تطالبانني بأن أدفع معهما مصروفات تخص الشقة، كتغيير باب الشقة، أو محارة للمنور الخارجي للشقة، يعني أعمال ليست أساسية، والشقة حالتها جيدة، لا ينقصها شيء، ورددت بأني لا أمانع في هذه الأعمال، ولكني لن أدفع؛ لأني لست مقيمًا، وغير منتفع بالشقة، فقلت: حين نبيع الشقة، سأدفع لكما ما يخصني من مصاريف التجديد؛ لأني رب أسرة، وعندي أولاد صغار في أمس الحاجة للمصروف، والوضع استفزني؛ فأحببت أن أضع النقاط فوق الحروف، وعرضت عليهما بعد أن تتزوج أختي -بإذن الله- ولا أعلم متى ستتزوج، أن أبيع سكني الحالي الذي أبحث عن غيره منذ فترة قبل وفاة أمي، وأعطي كلًّا منهما حقها، وآخذ أنا الشقة، وأقيم فيها أنا وأولادي، فرفضتا، وقالتا: إن هذه الشقة أمان لنا من أي مكروه يحدث لنا في زواجنا، واحترمت رأيهما، وعرضت عليهما أن نبيع الشقة، وكل منا يأخذ نصيبه، وتشتريان بنصيبهما منها إلى جانب نصيبهما من باقي الميراث شقة أخرى حسب فكرة التخارج، وأستفيد أنا من حقي في تغيير سكني، وتوفير حياة أفضل لأطفالي، فرفضتا بشدة، وقالتا: إن هذا الكلام ليس من الأصول؛ لأن أختي لم تتزوج بعد، وعرضت عليهما شراء نصيبي، ونصيبهما من باقي الميراث، وهو ينقص عن نصيبي بجزء، وكان عندي استعداد أن أنتظر موعدًا محددًا لسداده، ولكن أختيَّ تريدان أن تدفعا لي مبلغًا زهيدًا، ولا تحددان لي متى ستدفعان لي باقي حقي، مع العلم أن أختي غير المتزوجة مقتدرة ماديًّا، ودخلها الشهري يسمح لها بتسديد حقي في موعد معلوم، وأن تعيش حياة كريمة في نفس الوقت، فهي تتقاضى معاشًا، إلى جانب دخل خاص بها، وأنا لا أريد إلا حقي الذي شرعه لي الله، ولكن ماذا إذا لم تتزوج أختي؟ فهل يجب أن أسكت عن حقي الذي أحتاج إليه؟ وأختاي لم تفكرا في هذا، ولم تفكرا في أني أحتاج حقي لتوفير حياة أفضل، وأن أضمن حق أولادي من بعدي، وكنت على استعداد أن أنتظر، ولكنهما لم تعطياني موعدًا لتسديد حقي، وحدثت مشاكل بيننا، ولا كلام بيننا الآن، وتدخل الأهل كثيرًا، ولكنهما لا تريدان إعطائي حقي؛ حتى أصبحت غير راض عن استغلالهما لنصيبي من الشقة، وكل ما تحويه، وأريد أن أحصل على حقي بأي شكل، فما الحل؟ وهل هما آثمتين؟ وهل أنا مخطئ في شيء؟ وآسف على الإطالة -وفقكم الله دائمًا لما فيه الخير-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حقّ لأحد من الورثة في أن يستبدّ بشيء من التركة قبل القسمة، أو يمنع غيره من الورثة من استيفاء نصيبه الشرعي من التركة.
وعليه؛ فلا حقّ لأختك في سكنى الشقة الموروثة قبل القسمة، دون رضا جميع الورثة.
وإذا كنت طالبت أختيك بقسمة الشقة، أو بيعها إذا كانت لا تقبل القسمة، وتقسيم ثمنها على الورثة، فهذا حقّك، ولا يجوز لهما الامتناع من ذلك.
فإما أن تكون الشقة تصلح للتقسيم على الورثة من غير ضرر، ولا رد عوض، فيجبرون على التقسيم، أو يكون التقسيم غير ممكن، فيجبرون على البيع، قال ابن قدامة -رحمه الله-: وإذا كان بينهما دار، أو خان كبير، فطلب أحدهما قسمة ذلك، ولا ضرر في قسمته، أجبر الممتنع على القسمة.
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: كَلُّ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ، وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ؛ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
والإجبار على التقسيم أو البيع، يكون عن طريق القاضي الشرعي، لكن الذي ننصحك به ألا تتعجل في رفع الأمر إلى المحكمة، ولكن تسعى لتوسيط بعض العقلاء من الأقارب، أو غيرهم من الصالحين؛ حتى تصطلح مع أختيك على القسمة، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وعلى أية حال؛ فالواجب عليك صلة أختيك، ولا يجوز لك قطعهما، سواء اصطلحتما على القسمة، أم بقي بينكما نزاع، فصلة الرحم واجبة، وقطعها حرام، وحتى لو قطعتاك، أو أساءتا إليك، فلا ينبغي أن تقابلهما بمثل فعلهما، فعَنْ عبد الله بن عمرو، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري. وفي مسند أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ذَوِي أَرْحَامٍ، أَصِلُ وَيَقْطَعُونَ، وَأَعْفُو وَيَظْلِمُونَ، وَأُحْسِنُ وَيُسِيئُونَ، أَفَأُكَافِئُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، إِذًا تُتْرَكُونَ جَمِيعًا، وَلَكِنْ خُذْ بِالْفَضْلِ وَصِلْهُمْ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ مَا كُنْتَ عَلَى ذَلِكَ». وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.
تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
والله أعلم.