السؤال
أعمل في منصب إداري بشركة مرموقة، يمتلكها نصارى، وأعمل في مكتب كله نصارى، يعلقون على حوائط وجدران المكتب بالتفصيل (صورتين لمريم، والمسيح، وكذلك سلسلة بها صليب على شباك المكتب، ويوجد رسم للصليب على باب المكتب، مكتوب عليها: "إلهنا قوي"، وكذلك توجد نسخة من الإنجيل على الدولاب الخاص بالمكتب، فما حكم العمل بهذه الشركة، وفي هذا المكان تحديدًا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحرم العمل في شركة بمكاتبها صور محرمة، أو صور صليب، أو نحو ذلك، فإن كثيرًا من العلماء، رخصوا في دخول الكنائس، وهي لا تخلو غالبًا من الصلبان والصور المحرمة، جاء في المغني لابن قدامة: فأما دخول منزل فيه صورة، فليس بمحرم، وهذا مذهب مالك، فإنه كان يكرهها تنزهًا، ولا يراها محرمة.
وقال أكثر أصحاب الشافعي: إذا كانت الصور على الستور، أو ما ليس بموطوء، لم يجز له الدخول؛ لأن الملائكة لا تدخله.
ولنا ما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة، فرأى فيها صورة إبراهيم، وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، فقال: قاتلهم الله، لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط»، رواه أبو داود. وخبر عبد الله أنه دخل بيتًا فيه تماثيل، وفي شروط عمر -رضي الله عنه- على أهل الذمة: أن يوسعوا أبواب كنائسهم، وبيعهم؛ ليدخلها المسلمون للمبيت بها، والمارة بدوابهم. وروى ابن عائذ في "فتوح الشام"، أن النصارى صنعوا لعمر -رضي الله عنه-، حين قدم الشام، طعامًا، فدعوه، فقال: أين هو؟ قالوا: في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امض بالناس، فليتغدوا. فذهب علي -رضي الله عنه- بالناس، فدخل الكنيسة، وتغدى هو والمسلمون، وجعل عليّ ينظر إلى الصور، وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل.
وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها، وفيها الصور، ولأن دخول الكنائس والبيع، غير محرم، فكذلك المنازل التي فيها الصور. وكون الملائكة لا تدخله، لا يوجب تحريم دخوله علينا، كما لو كان فيه كلب، ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس، مع أن الملائكة لا تصحبهم . اهـ. باختصار.
وراجع الفتويين: 316246، 37925.
وكذلك عمل المسلم عند غير المسلم -في غير الخدمة الشخصية له- لا مانع منه شرعًا، جاء في المغني: ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته. وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر: تجوز؛ لأنه تجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة، فجاز فيها، كإجارته من المسلم.
ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر، وإذلاله له، واستخدامه، أشبه البيع.
فأما إن آجر نفسه منه في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب، وقصارته، جاز بغير خلاف نعلمه؛ لأن عليًّا -رضي الله عنه- آجر نفسه من يهودي، يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلم ينكره، وكذلك الأنصاري. ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم، ولا استخدامه، أشبه مبايعته.
وإن آجر نفسه منه لعمل غير الخدمة، مدة معلومة، جاز أيضًا، في ظاهر كلام أحمد. اهـ. باختصار.
والله أعلم.