الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحياة الدنيا قنطرة السعادة الأبدية

السؤال

لم أُرِد أن يخلقني الله، فلماذا يجب علي أن أعيش؟ وهل من عدل الله أن يخلق البشر بغير إراداتهم، ويجبرهم أن يعيشوا، ويحرم عليهم الخروج من هذه الحياة؟
هذه الأسئلة تراودني كثيرا، حينما أتذكر أن هذه الحياة شقاء. لا أريد المشاركة به.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتصورك أن هذه الحياة محض شقاء هو تصور خاطئ، وإنما ألقى الشيطان هذا في قلبك لينغص عليك عيشك، ويصيبك بالتعاسة والهم المتلازمين، ولو عرفت حقيقة الحياة، وأن الله استعمرنا فيها لعبادته وطاعته، وأنها أكبر سبيل تنال به السعادة الدائمة في الآخرة، وذلك بالإقبال على الله تعالى، والاجتهاد في مراضيه؛ فإن ذلك سيزيل عنك هذا الشعور، وستشعرين بسعادة وراحة كبيرة متى اتصل قلبك بالله تعالى، واستشعرت طعم القرب منه.

فإن الله تعالى لم يخلق خلقه عبثا، وإنما خلقهم لحكمة بالغة، وهي أن يبلوهم ويمتحنهم، فيصطفي منهم من شاء ممن أكرمه بإرادة وجهه سبحانه والإقبال عليه وطلب الزلفى لديه. وأي شيء يمنعك من أن تكوني من هؤلاء الذين نالوا كرامة الله، وعرفوا طعم السعادة الحقة، وذاقوا لذة العيش في الدنيا وهم بانتظار كمال تلك اللذة في الآخرة؟! قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}. فهذا هو طريق نيل الحياة الطيبة، وأما الشقاء فلا يكون إلا من الإعراض عن الله، وسلوك غير سبيله؛ كما قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا {طه:124}.

فعليك أيتها الأخت الكريمة أن تتخلصي من هذه الأوهام، وتعلمي أن الحياة هي قنطرة سعادتك الأبدية لو أحسنت استغلالها.

وأما أنك لم تريدي أن توجدي في الحياة، فالله تعالى لا يسأل عما يفعل، وقد منَّ عليك بهذه المنَّة وهي أن أوجدك وأكرمك بالهداية للإسلام حين أضل عنه كثيرين، فتلك النعمة جديرة بأن تبذلي وسعك في شكرها لا أن تظهري التبرم من وجودك، والرغبة في التخلص من الحياة رأسا، وليست نفسك ملكا لك بل هي ملك لله عز وجل، فليس لك أن تتصرفي فيها كما تشائين، بل لا تتصرفين فيها إلا بما يرضي رب العالمين، وقد نهاك سبحانه رحمة بك عن أن تتخلصي من حياتك، وأمرك أن تعمري أيامك بطاعته حتى يقضي هو سبحانه بانقضاء أجلك، فإذا أحسنت في مدة ذلك الامتحان وهي مدة الحياة فذلك سبب سعادتك الأبدية، والتي تبدأ حقيقة بالخروج من هذه الحياة، وأما إن كانت الأخرى نعيذك بالله منها فليس تخلصك من الحياة سببا لراحتك إذاً، بل هو بداية لشقاء أكبر وتعاسة أتم، نسأل الله العافية.

فاستعيني بالله على طاعته، واطردي تلك الأوهام عن قلبك، وخذي بأسباب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يهديك صراطه المستقيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني