الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تأخذ المطلقة زيادة على حقوقها المشروعة ولو حكمت بها المحكمة

السؤال

أختي متزوجة منذ ثلاث سنين من رجل أحمق، تصرفاته طفولية، هو تزوجها في سوريا، ولمَّ شملها إلى مكان دراسته في ألمانيا. ودائما يَمُنُّ عليها بأنه أخرجها إلى ألمانيا، وأنفق عليها الكثير لإخراجها؛ رغم ضعف حاله كطالب (على الرغم من وجوب هذا عليه). وخلال هذه السنوات الثلاث لم تعرف حياتهما الهدوء ولا السكينة؛ حيث طلقها مرة بلفظة طلاق (لكن الشيخ في مدينته حسبها واحدة لوقوع الغضب أثناء اللفظ)، وتركت بيت الزوجية، وأتت إلى بيت إخوتها أكثر من مرة بسبب مشاكله المتكررة، أو بسبب ضربه المبرِّح لها، أو محاولته سرقة حُلِيِّها(والذي هو جزء من المقدَّم) لاعتباره أنه حق له، ولقد حاولنا أن نقنعها أن الحل الأمثل هو الطلاق، ولم تستجب، وفي إحدى المرات كانت في زيارة عندي، فحصلت مشكلة معه هاتفيا، وقال لها ابقي عند إخوتك، وما زالت على هذه الحال منذ سنة ونصف، تطالبه أن يكلِّم أبي وهو رافض أن يكلمه، ويتفق معه على صيغة صلح، حتى رفع دعوى طلاق عند المحكمة الألمانية ولشدة شخصيته الطفولية تراجع أثناء المحكمة، وقال لا أريد الطلاق، فأجلت الجلسة، وفي الجلسة التالية نفى إرادته للطلاق على الرغم من أنه هو من رفع الدعوى، وأصرَّت أختي على الطلاق، فوقع، والآن نحاول الحصول على الطلاق الشرعي. فهل حكم هذا الطلاق خلع؟ وإن كان يجب لها المؤخر، فإننا لا نستطيع الحصول عليه لعدم وجود سلطة شرعية تجبره على دفع المؤخر. علما أن السلطة القضائية في ألمانيا تجبره بدفع نفقة معيشة المرأة؛ لأنه أنهى دراسته، ويعمل كطبيب الآن، ومتمكن ماديا. فهل تحق لنا هذه النفقة في حال رفض دفع المؤخر؟ وما حكم العدة في هذه الحالة. مع العلم أن أختي ستبدأ الدراسة في الجامعة بعد فترة، وسبق أن قضت فترة طويلة بعيدة عن زوجها، عدا أن الحيض لديها غير منتظم، ويحتاج ضعف المدة المعتادة حتى يتكرر.
أفيدونا، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ندري ما تعني بكون الطلاق قد وقع، فإن كنت تعني أن المحكمة الوضعية هي التي أوقعته، فلا اعتبار له، كما أفتى بذلك مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا، كما في نص قرارهم: إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً شرعياً فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية. اهـ. ولكن إن تلفظ به الزوج، ورفعه للمحكمة لمجرد التوثيق، فقد وقع الطلاق.

ولا يكون هذا الطلاق خلعا إلا إذا كان في مقابل عوض، وانظر الفتوى: 13702، ففيها بيان أركان الخلع.

ومؤخر الصداق حق لها إن لم تكن قد تنازلت عنه، ولا يجوز له الامتناع عن دفعه إليها، وكذلك من حقها نفقتها مدة العدة، وليس من حقها أن تأخذ أكثر من ذلك، ولو حكمت لها به المحكمة الوضعية.

ولا يجوز التحاكم لمثل هذه المحكمة إلا للضرورة، فنرى أن ترفعوا الأمر إلى أحد المراكز الإسلامية، أو توسيط أهل الخير، فإن عجزوا عن حل المشكلة، فلا بأس برفع الأمر إلى المحكمة الوضعية، ولها أن تأخذ مما تحكم لها به بقدر حقها منه دون الزيادة. وراجع الفتوى: 236581، والفتوى: 28871.

وننبه إلى أن الحياة الزوجية شرعت للدوام والاستقرار، وأن تسود بين الزوجين المودة والوئام، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، ويتحقق ذلك بمعرفة كل من الزوجين حقه على الآخر، وقيامه به على أكمل وجه، قال الله سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.

وراجع الفتوى: 27662، ففيها بيان الحقوق بين الزوجين.

هذا وإن من أسوإ الأخلاق أن يسيء الرجل معاملة زوجته، أو يعتدي عليها، أو يظلمها، فيمنعها حقها، والله عز وجل مطلع عليه، وهو أقدر عليه، وقادر على الانتقام منه، قال عز وجل: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.

قال ابن كثير: تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو ينتقم ممن ظلمهن، وبغى عليهن. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني