السؤال
علماءنا الأفاضل: جزاكم الله خيرا على جهودكم، وما تقدمونه لنا من فائدة.
أنا أسكن في عمارة، والشقه المقابلة لي يسكنها أخ فاضل، نحسبه على خير، وزوجته منتقبة، ولديه بنت، هو يسافر كثيرا، لاحظت أن زوجته وابنته يخرُجْن، ويَعُدْن في وقت متأخر جدا بالليل، وأكثر من شخص حذَّرني من هذه المرأة، وعنَّفني، كيف لي أن أجعلها تسكن في عمارتي؛ فقد انتشر عنها أنها تذهب إلى أماكن مشبوهة هي وبنتها؛ لدرجة أن أصحاب المواصلات أصبحوا يعرفون سوءها -عافانا الله- وأنها تمارس الرذيلة هي وبنتها، فأخذت أراقبها، ووجدت أن رجالا غرباء يأتون إليها في غياب زوجها.
فسؤالي الآن كيف أتصرف؟ هل أخبر زوجها أن يراقبها؟ ولكن ذلك سيؤدي إلى انهيار البيت؟
هل أكلمها؟ ولكنها امرأة صعبة، وألفاظها صعبة، لا آمن مكرها؟
هل أصمت وأستر عليها؟ أم سيكون هذا سكوتا عن منكر وخداعا لهذا الرجل الطيب؟
أنا في حيرة من أمري. ما هو واجبي الديني؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المسلم السلامة حتى يتبين خلافها، فإساءة الظن به من غير بيِّنة أمر محرم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا..... الآية {الحجرات:12}، وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا........ الحديث.
فما أشيع عن هذه المرأة وابنتها تبقى مجرد ادعاءات هما بريئتان منها حتى يثبت صدقها. وما ذكرت من أمر الرجال الغرباء لا يلزم منه الاتهام بالسوء، فما يدريك أن يكونوا من أهلها وأرحامها الذين يأتون لزيارتهم.
ومن هنا جاء التثبت في الأخبار حتى لا يتهم الناس زورا وبهتانا، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}، ومراقبتك بيتهما والبحث والتنقيب عن أمرهما لا يجوز؛ لأنه نوع من التجسس الذي حرمه الشرع بدلالة الآية والحديث السابقين.
ويبقى بعد ذلك النظر فيما إذا ثبت هذا السلوك المشين عنهما فهو بلا شك سلوك جد خطير، لا يجوز السكوت عليه؛ فإنها بهذا التصرف تسيء لسمعتها وسمعة زوجها، وتدنس عرضه وشرفه، وهي مأمورة شرعا بأن تحفظ زوجها في غيبته، كما هو شأن المؤمنات الصالحات، قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ {النساء:34}، نقل ابن كثير في تفسيره عن السدي أنه قال في هذه الآية: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.
فبذل النصح لهذه المرأة واجب، روى مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وحكم هذا الإنكار بينه النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. اهـ. ومنه تعلمين أنه قد يتعين عليك الإنكار، وأنه يسقط عنك إن خشيت ضررا.
وعلى كل، فإن أمكن نصحها وتذكيرها بالله بأسلوب طيب فهو أمر حسن، فلعلها تستمع فتنتفع، فإن لم يُجْدِ ذلك نفعا فيمكن تهديدها بإخبار زوجها، فلعلها ترتدع، فإن فعلت، فالحمد لله، وإلا فيمكن تنبيه زوجها تلميحا ليراقب بيته وأهله، فإن لم يفهم التلميح، فليستخدم معه التصريح ليقوم بالواجب تجاه أهله.
وأما خشية انهيار البيت، فما يحدث الآن أعظم خطرا مما لو وقع الطلاق؛ لأنها قد تدنس عرضه، وتنسب له من الولد من ليس منه، ثم إن فراق مثلها - إن لم تتب - مستحب.
قال ابن قدامة في المغني، وهو يبين أحكام الطلاق: والرابع: مندوب إليه، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل: الصلاة، ونحوها، ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون له امرأة غير عفيفة... اهـ.
وههنا مصلحة أخرى، وهي أن يتلافى أمر ابنته، ويحفظها من الفساد.
والله أعلم.