السؤال
بارك الله فيكم على هذا الموقع.
أنا فتاة عمري 22 سنة، فسخت عقد قِراني منذ سنة، وأعاد لي الشابّ مستحقي من المهر، ووالدي إلى الآن يطلب مني مبلغًا من المهر، علمًا أنه رفض أن يذهب معي للمحكمة ليطلّقني الشاب، إلا عندما أعطيه مبلغًا من المال، وأعطيته وأنا كارهة، وما زال هو وأعمامي يصرّون عليّ لأعطيه من مالي، خاصة بعد أن حصلت على وظيفة، وخطبت لشاب آخر، فهل يحقّ لوالدي طلب ذلك مني؟ علمًا أنه لم يشترِ لي لباسًا قطّ في حياتي، ولا أحبّه؛ لظلمه لنا، وأتمني أن تفيدوني بأشياء تخفّف عني جهد ما ألاقي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك فقيرًا؛ فواجب عليك الإنفاق عليه، والامتناع من ذلك مع القدرة، عقوق للأب، وهو من كبائر المحرمات، وراجعي الفتوى: 148897.
وأمّا إذا كان أبوك موسرًا، فجمهور أهل العلم على أنّه لا يحقّ له أن يأخذ شيئًا من مالك دون رضاك.
وذهب الحنابلة إلى أنّ للأب الأخذ من مال ولده، ولو بغير حاجة؛ بشرط ألا يجحف بمال ولده، أو يضرّه، وألا يأخذ من مال ولد ليعطيه لولد آخر، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرًا كان الولد أو كبيرًا، بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضرّ به، ولا يأخذ شيئًا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده، فيعطيه الآخر ...
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده، إلا بقدر حاجته. انتهى.
وعليه؛ فإن كان أبوك غير محتاج، فلا يجب عليك أن تعطيه شيئًا من مهرك، أو غيره من مالك، لكن الأولى أن تعطيه ما لا يضرّك إعطاؤه، فقد جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ ... يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ، فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا، قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك. فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ، سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ، أَيْ: وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. اهـ.
وأمّا بغضك لأبيك بسبب ظلمه، فهذه لا مؤاخذة عليك فيه، لكن الواجب ألا يحملك البغض على العقوق، والاعتداء، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: نعم، الأمر كما قالت السائلة: إن الإنسان لا يملك الحب أو البغض، فهو أمر يضعه الله تعالى في القلب، لكن الإنسان يجب عليه ألا يتأثر بهذا الحب إلا بمقدار الحكم الشرعي. اهـ.
واعلمي أنّ بر الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبّها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته وتوفيقه، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت، فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
والله أعلم.