الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ادّعاء الابن أن أمّه أبرأته قبل موتها من الدَّين الذي لا يعرف مقداره

السؤال

ماتت أمّي -رحمها الله- وأنا وإخوتي وأبي مدينون لها بمبالغ مالية، وعلمت أن هذه الأموال ترد كلها للميراث، وتوزع حسب الشرع، فمن هم ورثة أمّي -علمًا أن الأحياء بعدها هم: أبي (الزوج)، وخمسة إخوة ذكور (أبناؤها)، وطفلان ذكران (أحفاد)، وثلاث بنات (حفيدات)، وإخوة أمي (أخوالي): اثنان من الذكور، واثنتان من الإناث-؟ وما مقدار نصيب كل وارث؟ ولي أخ يقول: إنه لا يدري مقدار ديونه لأمّي، ويقول: أمّي قبل وفاتها سامحته في ديونها، وحلف يمينًا على ذلك، فما الحكم؟ وهل يباع ذهبها، ومقتنياتها، وملابسها ضمن الورث؟ وما كيفية توزيعها؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأحفادُ -أولادُ الابن- لا يرثون جدّتهم مع وجود ابنها المباشر، وكذا إخوتها وأخواتها لا يرثونها مع وجود ابنها.

وإذا لم تترك المرأة من ورثتها إلا زوجها وأبناءها الخمسة، ولم تترك وارثًا غيرهم -كبنتٍ، أو أبٍ، أو أمٍّ، أو جدٍّ، أو جدة-، فإن لزوجها الربع فرضًا لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. {النساء:12}.

والباقي لأبنائها الخمسة تعصيبًا -بينهم بالسوية- لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ، فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ. متفق عليه.

وكل ما تركته المرأة من ذهب ومقتنيات، يعد من جملة التركة التي يقسمها الورثة بينهم القسمة الشرعية للميراث، يقول الله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا {النساء:7}.

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب، وفرش، وكتب، وأدوات كتابة، وماصة، وكرسي، كل شيء حتى شماغه، وغترته التي عليه تنتقل إلى الورثة.

وإذا انتقلت إلى الورثة، فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم، فلو قالوا -أي: الورثة- وهم راشدون: ثياب الميت لواحد منهم، ولبسها، فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها، فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يبيعوها، فلا بأس، هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم... اهـ.

وإذا بيعت تلك المقتنيات، فإنها تقسم بينهم القسمة الشرعية للميراث.

وإقرار أحد الورثة بأن للميت دينًا عليه، هذا الإقرار ملزم به، ويجب عليه أن يردّ الدين للتركة، إذا لم يتنازل الورثة له عنه.

ومن كان من الورثة بالغًا رشيدا، فله أن يتنازل له عن نصيبه من الدين.

وادعاؤه بأن أمّه أبرأته من الدين قبل موتها، هذا ينظر فيه من جهة تصديق الورثة له، أو عدم تصديقهم، فإن ادَّعى أنها أبرأته منه -وهي في غير مرض مخوف-، وصدَّقوه في هذا، فلا شيء لهم عليه؛ لأن من أبرأ غريمه من الدَّين، برئت ذمّته، كما قال صاحب الزاد: ومن أبرأ غريمه من دينه بلفظ الإحلال، "أو الصدقة"، أو الهبة، ونحوها، برئت ذمته، ولو لم يقبل. اهــ.

وإن ثبت أنها أبرأته وهي في مرض مخوف؛ فهذا حكمه حكم الوصية له، ومن المعلوم أن الوصية للوارث ممنوعة إلا إذا شاء الورثة إمضاءها، فإن شاؤوا أمضوا إبراء مورثتهم -والحالة هذه-، وإن شاؤوا طالبوه بالدين.

وفي كل الأحوال التي لهم الحق فيها بمطالبته بالدين، وادّعى أنه لا يعرف قدر الدَّين، فإنهم يصطلحون على شيء بينهم، وانظر الفتوى: 137029 عن الصلح عن المجهول بمعلوم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني