السؤال
سمعت شيخًا يقول: "في نهاية غسل الجنابة نأخذ كمية من المياه بكفّ اليد، ونضعها في الأذن، ثم نخرجها مرة أخرى"، والمشكلة أنه حدث لي انسداد جزئي لأذني، وحاولت أن أحلّ مشكلة الانسداد، ولم أعرف، وقلت في نفسي: إن وضع المياه في الأذن ليس من الدِّين؛ سواء كان سنة أم فرضًا، ولن أفعلها مرة أخرى، وذهبت ووضعت المياه في أذني مرة أخرى؛ حتى ذهب الانسداد وقتها، وهنا تذكرت وقتها أنني أنكرت شيئًا من الدِّين، حتى لو قلت: إن غسل الأذن بهذه الطريقة ليس فرضًا أو سنة، فالمشكلة هنا هي أني أنكرت شيئًا في اعتقادي أنه من الدِّين؛ ولو لم يكن من الدين.
المسألة هنا في الفكرة وقت الحدث نفسه؛ فأنا وقتها كنت أعتقد أن غسل الأذن بدفع مياه بكف اليد داخل الأذن هو من الدِّين، وأنكرت ذلك بسبب انسداد أذني، ثم بعدها جاء في رأسي أن ما فعلته هو إنكار لشيء من الدِّين، ولو لم يكن من الدِّين.
لا أعلم هل هذه وسوسة، أم إني تعدّيت الوسوسة؟ أريد أن أطمئن على عقيدتي، فهل ما زلت مسلمًا، أم إني كفرت، أم إني أذنبت ذنبًا دون الكفر؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعل الشيخ المذكور يقصد الكيفية التي ذكرها الفقهاء من كيفية تعميم الأذن عند الاغتسال دون ضرر يصيب الشخص من جراء دخول الماء إلى باطن الأذن، قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج شرح المنهاج عند قول الماتن في صفة الغسل: (ثم تعهد معاطفه): وَهِيَ مَا فِيهِ الْتِوَاءٌ وَانْعِطَافٌ، كَالْأُذُنِ، وَطَبَقِ الْبَطْنِ وَالسُّرَّةِ: بِأَنْ يُوصِلَ الْمَاءَ إلَيْهَا؛ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ جَمِيعَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ حَيْثُ ظُنَّ وُصُولُهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ الْوَاجِبَ يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي الْأُذُنِ بِأَنْ يَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ يُمِيلَ أُذُنَهُ وَيَضَعَهَا عَلَيْهِ لِيَأْمَنَ مِنْ وُصُولِهِ لِبَاطِنِهِ. انتهى.
وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُ الْأُذُنَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَيُمِيلُ رَأْسَهُ عِنْدَ غَسْلِ أُذُنَيْهِ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهَا الْمَاءُ فَيَضُرَّهُ، أَوْ يُفْطِرَ بِهِ، لَوْ كَانَ صَائِمًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، فَيَجُوزُ لَهُ الِانْغِمَاسُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ. انتهى.
وجاء في الفواكه الدواني للنفراوي: ومسح الصماخين فقط، وهما الثقبان، فيمسح منهما ما لا يمكن غسله، وأما غيرهما مما يمكن إيصال الماء إليه، فيجب غسله، وذلك بحمل الماء في يديه، وإمالة رأسه؛ حتى يصيب الماء ظاهر أذنيه، وباطنهما. ولا يصب الماء في أذنيه صبًّا؛ لأنه يورث الضرر. انتهى.
فإن كان هذا هو مقصد الشيخ، فهو صحيح.
والظاهر أن ما أصابك من انسداد في الأذن نتج عن خطأ منك في فهم كلام الشيخ، أو في تطبيق ما ذكره، فبالغت في عرك أذنك على الماء، أو أنك صببت الماء في باطن أذنك.
وعلى أي حال؛ فالكيفية المذكورة ليست واجبة، وإنما الواجب في غسل الجنابة هو تعميم الماء، ويكفي فيه غلبة الظن، كما سبق في كلام ابن حجر الهيتمي. وراجع الفتويين التاليتين: 126996، 56042.
ونرجو أن لا تكون ارتكبت ذنبًا فضلًا عن أن يكون وقع منك ما يكفر.
ويبدو أن معك وساوس، فعليك أن تجاهدها، وألا تسترسل معها، ولا تعيرها أي اهتمام، وراجع لمزيد الفائدة في الفتوى: 171471.
والله أعلم.