السؤال
أريد ردا على القضية المثارة حول اغتسال أم المؤمنين -رضي الله عنها-: حدثنا عبد الله بن محمد، قال حدثني عبد الصمد، قال حدثني شعبة، قال حدثني أبو بكر بن حفص، قال سمعت أبا سلمة يقول: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعت بإناء نحوا من صاع، فاغتسلت، وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب.
قال أبو عبد الله، قال يزيد بن هارون، وبهز، والجدي عن شعبة: قدر صاع.
ليس في صدري منه شيء -معاذ الله-، ولكني أريد أن أستزيد من العلم، وأحكم قولي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، ولم يذكر لنا السائل ما هي القضية المثارة حول هذا الحديث، وإن كان يعني الاستنكار أن تغتسل عائشة -رضي الله عنها- بحضرتهم فهي -رضي الله عنها- لم تغتسل بحيث يرونها تغسل كل بدنها، فإنه كان بينها وبينهم حجابٌ؛ كما في نص الحديث.
وفي رواية مسلم في صحيحه: وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاَثًا، وإنما رأياها تغسل شعرها ورأسها، وهذا لا إشكال فيه؛ لأنهما محرم لها، فأحدهما أخوها من الرضاع، كما في قول أبي سلمة بن عبد الرحمن: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ. كما في رواية مسلم، وأبو سلمة نفسه محرم لها؛ لأن عائشة خالته من الرضاع أيضا.
ومن المعلوم أنه لا حرج على الأخ أو ابن الأخت لو رأى أخته أو خالته تغسل شعرها. قال الْقَاضِي عِيَاضٌ في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم: ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعلى جَسَدها مما يحل لذي المحرم النظر فيه إلى ذات المحرَم، وأحدُهما -كما قال- كان أخوهَا من الرضاعة، قيل : إن اسمه عبد اللَه بن يزيد، وكان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر، ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه لم يكن لاستدعائهما الماء وطهرِها معنىً، إذ لو فَعَلتْ ذلك كله في سِترِ عنهما لكان عبثا، ورجَعَ الحال إلى وصفِها له، ويكون السِّترُ الذى بينها وبينهما عن سائر جسدها، وما لا يَحِلُ لهما رؤيتُه، كما شوهد غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من وراء الثوب، وطأطأ عن رأسه حتى ظهر لمن أراد رؤيته. اهــ.
وإنما فعلت أم المؤمنين ذلك بقصد التعليم بطريقة عملية؛ ليكون أوقع في النفس. قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل؛ لأنه أوقع في النفس، ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الأمرين معا، أما الكيفية؛ فبالاقتصار على إفاضة الماء، وأما الكمية؛ فبالاكتفاء بالصاع. انتهى
وإننا بهذه المناسبة نحذر إخواننا المسلمين ممن ليس عنده من العلم ما يدفع به الشبهات من تتبع شبهات أعداء الإسلام، والجري وراء كل شبهة يلقونها، فإنها ربما استقرت في نفس من ليس عنده من العلم الراسخ والإيمان ما يدفع به غوائل الشبهات، فيصعب عليه بعد ذلك التخلص منها، وربما تزلزل إيمانه مع كثرة تواردها على القلب -والعياذ بالله-.
وقد دل الشرع على وجوب البعد عن الشبهات، والنأي بالنفس عن مواطنها؛ حذرًا من التأثر بها، ففي الحديث الصحيح: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ، فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَيَتَّبِعُهُ؛ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ، أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ. رواه أبو داود. اهــ.
قال ابن القيم في عدة الصابرين: فما استعين على التخلص من الشر، بمثل البعد عن أسبابه، ومظانه. اهــ.
والله أعلم.