الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تأخير توثيق عقد النكاح عند الجهات الرسمية

السؤال

سيدي الكريم: أنا رجل في العقد الرابع، أعيش في بلاد فرنسا. أتيت هذه البلاد طالبا، تعرفت على فتاة، وكنا نقيم علاقة حميمية لفترة، ثم تزوجت بها بعقد مدني (لم نكتب عقد نكاح عند العدل إلا بعد سنوات لمشاكل إدارية)؛ لما رأيت فيها من حسن الخلق، والمعاشرة الطيبة لي، ولوالدي، وإخواني، وأخواتي، وجميع عائلتي.
انتظرت أربع سنوات قبل الإنجاب منها، ورزقنا بولد، وبعدها أسلمت، وحسن إسلامها، وهي صوامة، قوامة، ذاكرة. رزقنا بعدها ببنت وابن آخر، تحرص على تربيتهم، وزادت خدمتها لي بما يوافق الدين، لا تعصي لي أمرا، ولا تقوم بشيء دون إذني، وزاد برها بوالدي، وحسن معاملتها لإخواني وأخواتي.
رزقها الله بعمرتين؛ واحدة كانت مع ابني البكر الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاما الآن. كل أولادي -والحمد لله- محافظون على صلاتهم، متخلقون، والفضل -بعد الله- يرجع لها في تربيتهم.
ما حكم هذا الزواج؟ هل يعتبر زنا؟ أفيدوني.
أمر بمرحلة عصيبة في حياتي؛ حيث أفصل من أي عمل مع اجتهادي في عملي، وأمر الآن بمرحلة جد صعبة، وزوجتي تقف إلى جانبي، ما تخلت عني. لكن أحاسب نفسي، ودائما تأتيني وساوس أن الله لم يبارك لي؛ لأن زواجي بني على باطل، وكل شيء حرام. أفيدوني، بارك الله فيكم.
مع العلم أنه منذ زواجي ما زنيت، ولا خنتها، وهي كذلك. أفيدوني هل عليَّ أن أعمل شيئا حتى أكفر عن ذنبي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإننا في البدء نهنئ هذه الأخت على أن أنعم الله عليها بالدخول في الإسلام، نسأل الله تعالى لها الثبات عليه حتى الممات، ونشكرها على حرصها على الاستقامة، وتربية الأولاد على عقيدة وقيم الإسلام. فجزاها الله خيرا، وتقبل منها صالح الأعمال.

وأما سؤلك؛ فلم يتبين لنا وجه الاستشكال فيه، فإن كان عدم توثيقه لدى الجهات الرسمية إلا بعد أربع سنوات كما ذكرت، فهذا لا يضر، ولا يؤثر على صحته؛ فالتوثيق ليس واجبا، ولكنه مستحب.

قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية: ( المسألة الخامسة): في كتاب الصداق، وليس شرطا، وإنما يكتب هو وسائر الوثائق توثيقا للحقوق، ورفعا للنزاع. اهـ.

وعلى كلٍّ، فزواجكما ماضٍ، ولا علاقة له بما تجده في حياتك من ابتلاءات، فقد لا تكون عقوبة على ذنب، إذ ليس كل ابتلاء شرا وعقوبة للمبتلى، بل قد يكون الابتلاء بسبب محبة الله للعبد، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وروى الترمذي في سننه عن سعد -رضي الله عنه- قال قلت: يا رسول الله؛ أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة.

وقد تكون للعبد درجة عند الله لا يستطيع أن يصل إليها بعمله، فيبتليه الله بما يكفر عن سيئاته، أو يرفع من درجاته حتى يوصله إليها.

قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجل الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان ... فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء؟. انتهى

وعلى كل حال عليك أن تعرض عن الوساوس في هذا، وأن تقبل على حياتك، وأن تحمد الله على ما أنعم به عليك من صلاح الزوجة والذرية، وأن تتفكر فيما أنت فيه من النعم؛ ليهون عندك ما تلقاه من مصائب، وتدبر قوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

واجتهد بالدعاء، والتقرب إلى الله، واعلم أن أمر المؤمن كله له خير، كما في الحديث الصحيح: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له. رواه مسلم.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني