الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تمسّك المرأة بالستر والعفاف ليس سببًا في تأخّر زواجها

السؤال

قريبتي منتقبة، عمرها 36 عامًا، والشباب في بلدنا يفضلون الارتباط بالموظفة، وفرص العمل عندنا قليلة، بالإضافة إلى أن عائلتها غير اجتماعية، وأهلها منذ بداية شبابها لم يكونوا حريصين على اختلاطهم بالناس، وهناك خلافات بينهم وبين الأقارب، فلا يزورنهم، وهي تسمع كلامًا جارحًا من والدها؛ لأنهم فقراء، ولأنها أنهت دراستها الجامعية، ولم تجد عملًا، ولأنها لم تتزوج، مع العلم أن والدها يعاني من الوسواس القهري، وأحيانًا يجرحها في كلامه؛ فيعلو صوتها؛ فيصفها بالعقوق، وأوصاف تكرهها، وأحيانًا يكون أبوها طيبًا؛ فهو مزاجي، ولا تعرف هل ذلك بسبب المرض، أم لسبب آخر. وهي ترغب في الهروب من البيت عن طريق الالتحاق بدورات تدريبية؛ للتخفيف من ضغط ظلم والدها المزاجيّ، لكن الدورة الرخيصة الثمن يعلّمها رجل، فهل يجوز ذلك بهدف الاختلاط بالبنات، وأن يكون سببًا للزواج؟ وهل يجوز أن تعمل في محل لبيع الثياب يشتري منه الرجال والنساء؛ بهدف الاستقلال الماديّ، وبهدف الاختلاط بالناس، وبهدف أن يكون سببًا للزواج، وأخذًا بالأسباب؟ فتكون موظفة، ويراها الناس، ويتعاملون معها، خصوصًا أنهم فقراء، بالإضافة إلى أن يهتم بها أحد؛ ليدل عليها الرجال الصالحين، وأغلب الرجال يفضّلون الارتباط بالأصغر سنًّا.
وهي على قدر من الجمال، وعدد من النساء تعزو سبب تأخّر زواجها، وعدم حصولها على وظيفة إلى لبسها النقاب، وهي تحب نقابها، لكنها حزينة ومكتئبة؛ لأن فرص زواجها قليلة؛ بسبب فقر عائلتها، وبسبب عدم اختلاط أحد بهم، ولم تجلس للرؤية الشرعية إلا مرة واحدة في حياتها، وفرص الزواج الأخرى كان أهلها يرفضونها دون مشاورتها، وأحيانًا بمشاورتها، أو كانت ترفضهم؛ لأنهم غير مناسبين دون أن يقابلوها.
وفي إحدى المرات جاءت أمّ العريس، ولم يعجبها عمرها، وقالت: إنها كبيرة، وهي تكتئب كثيرا، وتحزن عندما ترى فتيات أقل منها جمالًا يكشفن وجوههن ويتزوجن، أو يتبرّجن ويتزوجن، أو يختلطن في العمل و يتزوجن، ويعِشْن الحب مع أنهنّ خلال فترات حياتهنّ يلبسن ما يُرِدْن دون طاعة الله، فهل الاختلاط المحرم والتبرّج سبب من أسباب الزواج، خصوصًا لمن لا يهتم بها أحد ليدل عليها الناس؟ وحتى النساء التي تعتقد أنهنّ صالحات، كل واحدة مشغولة بنفسها، ولا تساعدها، وأحيانًا يدور في خلدها هذا السؤال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالواجب على قريبتك أن تبرّ أباها، ولا يجوز لها أن ترفع صوتها عليه، أو تسيء إليه، وإن كان مسيئًا إليها؛ فحقّ الوالد على ولده عظيم، وراجعي الفتوى: 101410.

ويجوز لها أن تحضر الدورات التدريبية النافعة -وإن كان المحاضر في تلك الدورات رجلًا- بشرط ألا تحصل خلوة، أو اختلاط مريب، وأن تكون الفتنة مأمونة، وراجعي الفتوى: 56317.

وتمسّك المرأة بالستر، والعفاف ليس سببًا في تأخر زواجها؛ بل هو سبب لرضا ربها، وتيسير أمورها التي يرضاها الله، وانظري الفتوى: 414859.

وما يحصل من تأخّر زواج امرأة ما، قدر من أقدار الله التي يجريها على عباده بحكمته البالغة، ورحمته الواسعة؛ فهو -سبحانه- أرحم بنا من آبائنا، وأمّهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، قال الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

واعلمي أنّ الله قد يصرف عن العبد شيئًا، ويدّخر له خيرًا منه، قال ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته، ولطفه؛ لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل، وإن كان دنيئًا، وبقلة الرغبة في الآجل، وإن كان عليًّا. انتهى.

ويجوز للمرأة عرض نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها، بضوابط وآداب، بيناها في الفتوى: 108281.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني