الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا علاقة له بمحاسبة الناس والحكم عليهم

السؤال

كثر في هذه الأيام نهي الناس عن الأمر بالمعروف، أو الغضب أو الغيرة إذا انتهكت حرمات الله، كقولهم: ليس لك شأن بهم، ربنا الذي يحاسبهم، من أنت لتحاسب الناس، دعه يفعل ما يريد، ربنا هو الذي يحاسب، هل أنت الذي تدخل الناس الجنة والنار، وهذه أقوال يراد بها التنصّل من تحكيم الدِّين في حياة المسلم، بالإضافة للتفسيرات الغريبة التي يجتهد بها الناس بالباطل لتبرير أفعالهم، وهي مرتبطة بالجزء الأول من السؤال، مثل قولهم: أنت حر ما لم تضر، ويستخدمون هذه العبارة لفعل ما يشاؤون، مثل نزولهم عراة للشواطئ، فكيف يرد عليهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمجتمع في الإسلام كالجسد الواحد، إذا فسد منه عضو أو تضرر، تداعى له سائر الجسد.

فكما أن لكل فرد حقًّا على مجتمعه، فكذلك للمجتمع حق على كل فرد من أفراده، وكذلك فإن لبعضهم على بعض حقًّا.

ولذلك لم يكتفِ الإسلام بأمر أتباعه بالاستقامة، والصلاح في خاصة أنفسهم، بل فرض عليهم أن يبذلوا ما يستطيعون في إصلاح أحوال أمتهم، بالنصح، والدعوة إلى الخير، وبيان الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ وبذلك تنجو الأمة، ويصلح حالها، ولولا ذلك لفسدت الأرض، وتضرّر الجميع، كما قال تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ {البقرة:251}، وقال سبحانه: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117]، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلًا واضحًا، فقال: مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا، ونجوا جميعًا. رواه البخاري.

وعلى ذلك؛ فالقيام بواجب النصح، وبيان الحق، والدعوة إلى الخير، والتحذير من الشر؛ لا علاقة له بمحاسبة الناس، ومجازاتهم، والحكم على حالهم في الآخرة؛ فهذا إلى الله تعالى وحده، وأما نحن فنقوم بالواجب الذي أمر الله به، فقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].

ونقوم كذلك بحق المسلمين الذي تفرضه علينا موالاتهم، ومحبتهم، ونصرتهم، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

وأما قولهم: (أنت حر ما لم تضر) فإن سلمناه؛ فالمعصية تضرّ صاحبها، وتضرّ مجتمعه كذلك، كما اتّضح مما سبق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وقال -أيضًا- صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني.

وأما السائل فنذكره بوصية لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني