الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المفاضلة بين العابد والعالم

السؤال

أنا -والحمد لله- أصوم، وأصلي، وأقوم الليل، وأحافظ على النوافل، والضحى، وأحاول أن أقترب من الله قدر الإمكان، وألتزم بالأذكار صباحًا ومساءً، وقد بدأت بحفظ القرآن، لكني عندما قرأت الحديث الذي فيه فضل العالم على العابد، أصبت بالإحباط، وكنت أظن أنني قريب من الله، واتّضح أن العالم أفضل مني بكثير، فماذا أفعل؟ وهل ما أقوم به من عبادة لا يساوي شيئًا مقارنة بالعالِم؟ وماذا تنصحونني أن أفعل؟ وإن كان لا بد من العلم، فكيف أصبح عالِمًا كي أكون أقرب إلى الله؟ وهل المنفق والمتصدّق أفضل من العالِم؟ وهل أصوم صيام داود، فأكون أفضل من العالِم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ثبت تفضيل العالم على العابد، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم. رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.

قال الصنعاني في التَّنوير شَرْح الجَامِع الصَّغِير: (فضل العالم) الذي أفاض علمه على الناس، كما يشعر به آخره (على العابد كفضلي على أدناكم) قال الطيبي: في هذا التشبيه تنبيه على أنه لا بدّ للعالِم من العبادة، وللعابد من العلم، كيف لا؟ والعلم مقدِّمة العمل، وصحة العمل متوقفة على العلم، وللناس كلام هنا طويل.

والذي يفهم من الحديث: أنه أراد بفضل العالم النافع بعلمه عباد الله بتعليم، وفتيا، وإرشاد، وتزهيد، وغير ذلك من دلائل الخير على مجرد من يقتصر على العبادة؛ سواء كان عالمًا بحيث يساوي هذا النافع للعباد بعلمه، أم دونه في العلم لا الجاهل؛ فإن عبادته لا اعتداد بها. اهـ.

وفي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (وإن فضل العالم) والمراد به من غلب عليه الاشتغال بالعلم على عبادته النافلة (على العابد) المراد به من غلب عبادته على الاشتغال بالعلم (كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) شبّه العابد بالكواكب؛ لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدّى منه على غيره. وشبه العالم بالقمر الذي يتعدّى نوره، ويستضيء به وجه الأرض؛ لأن كمال العلم ونوره يتعدّى إلى غيره، فيستضيء بنوره المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو شمس العلم والدِّين، وإنما قيده بليلة البدر؛ لكمال إضاءة القمر فيها، وانمحاء الكواكب في شعاعها. اهـ.

فنهنئك على ما تقوم من عبادات، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك، وأن يوفقك لكل خير.

وليس من الصواب القول: إن ما تقوم به من الطاعات لا يساوي شيئًا بالمقارنة مع العالِم، فأنت على خير -إن شاء الله تعالى-، لكن ننصحك بالازدياد من الطاعات، مع الإقبال على تعلّم العلم، بحسب ما تستطيع، وقد ذكرنا كيفية التعلّم في الفتويين: 344185، 215983.

وصيام داود هو أفضل الصيام، لكن لا نعلم دليلًا على أن فاعله يكون أفضل من العالم، وراجع المزيد في الفتوى: 335194.

أما المفاضلة بين المتصدّق والعالِم؛ فمن باب المفاضلة بين العبادات، وهي من المسائل الدقيقة التي تختلف فيها الأنظار، وتتفاوت فيها الأجور باختلاف الاعتبارات، فيكون العمل الواحد فاضلًا من جهة، مفضولًا من أخرى. وانظر الفتوى: 297082.

وأخيرًا؛ فإن قبول الطاعات أمر غيبي، لا يمكن الاطّلاع عليه، فالمسلم يرجو قبول طاعاته، علمًا كانت أو عملًا، ويفوّض أمر ذلك إلى الله تعالى، ولا يمكن للشخص الجزم بأنه قريب من الله تعالى، وأن الله تعالى قد تقبّل منه ما فعله من الطاعات. وراجع المزيد في الفتوى: 148887.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني