الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوقيع على شرط ربوي لاستخراج البطاقة الائتمانية

السؤال

أحتاج فتح حساب في بنك وأخذ بطاقة؛ حتى أتمكّن من الشراء عبر الإنترنت، وغير ذلك من الأغراض، والبطاقة التي أحتاجها ليست بطاقة ائتمان، فإذا لم يكن فيها رصيد، فلا يمكنك أن تشتري بها، والمشكلة في العقد الذي يطلبون مني أن أوقّع عليه، فقد يوجد فيه شرط ربوي، كأن يقول مثلًا: "إذا استُعمِلَت البطاقة في هذه الحالة المعينة، فسوف يؤخذ منك فوائد كذا وكذا"، وهذه حالات افتراضية، وأنا لا أقصد البطاقة لأجلها، وسيكون استعمالي للبطاقة في المعاملات التي لا تتضمن ربا، وقد بحثت في الإنترنت عن مسألة التوقيع على عقد فيه شرط ربوي، ووجدت أنهم يقولون بالحرمة، ولو كان هذا الذي سيوقّع على العقد لا يقع في الربا؛ وذلك لأن مجرد التوقيع على هذا العقد محرم.
لكننا لو نظرنا الآن في العقود المشتملة على شروط محرمة، فسنجد أن جُلّ عقود فتح حساب في البرامج التي نستعملها -كالواتساب، وتويتر، وغيرها- مشتملة على شرط محرم، بل شركي؛ لأنهم ينصّون على أنه لو حصل نزاع بينك وبين الشركة، فسوف ترفع القضية إلى محكمة كذا وكذا من أمريكا، أو غيرها من دول الكفر، وأنت عندما تفتح حسابًا في الواتساب أو غيره من البرامج فيلزمك أن تضغط على "موافق"، أو على الأقل يكتبون لك بأنك لو فتحت حسابا فأنت موافق على اتفاقيات البرنامج.
وخلاصة سؤالي: هل يجوز لي أن أوقّع على عقد فتح حساب بنكي؛ لكي آخذ بطاقة، إذا كان العقد مشتملًا على شرط ربويّ، وقصدي من البطاقة هو استعمالها في المباح فقط؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بينا في فتاوى سابقة أن ما تدعو اليه الحاجة من ذلك، وتعمّ به البلوى؛ لا حرج فيه؛ للقاعدة الشرعية: إذا ضاق الأمر اتسع.

ولكن على من يستخدم تلك البطاقة الائتمانية أن لا يستعملها إذا لم يكن في حسابه رصيد، وأن يسدّد الحساب المطلوب قبل نهاية المدة الممنوحة لصاحبها؛ حتى لا تترتب عليه فوائد التأخير؛ فيدخل في إثم مؤكل الربا، كما جاء في فتوى المجلس الأوربي للإفتاء حول استخدام بطاقة الفيزا:

وكان الجواب أنه: (في عدد من البلاد الإسلامية قامت المصارف الإسلامية بإصدار (بطاقة فيزا) شرعية، خالية من الشبهات، بعيدة عن الفوائد واحتمالاتها، كما في (بيت التمويل الكويتي)، و(مصرف قطر الإسلامي)، و(بنك قطر الدولي الإسلامي)، و(شركة الراجحي بالسعودية)، وغيرها من المؤسسات المالية الإسلامية، وهذه لا حرج في استخدامها بعد أن أجازتها هيئات الرقابة الشرعية في تلك البنوك.

ولكن يبقى السؤال عن وضع هذه البطاقات خارج العالم الإسلامي، وفي البلاد التي لا توجد فيها بنوك إسلامية: ما حكم هذه البطاقات؟

والذي عليه الفتوى من أكثر علماء العصر فيما نعلم، هو: إجازة استخدامها للحاجة الماسّة إليها، مع لزوم تسديد الحساب المطلوب قبل نهاية المدة الممنوحة له؛ حتى لا تترتب عليه فوائد التأخير؛ فيدخل في إثم مؤكل الربا، وهو الذي جرى عليه تعامل عامّة المسلمين في بلاد الغرب، من غير نكير عليهم من أحد يعتدّ به. ويشترط فيمن يستخدم هذه البطاقة أن لا يستخدمها إذا لم يكن له رصيد في حسابه.... انتهى

ومن ثم؛ فلا حرج عليك في أخذ تلك البطاقة وفق الضوابط السابقة، والتوقيع على عقدها، مع كونك لا تقرّ الشرط المحرم، ولا تقصده، وإنما ألجأت الحاجة والمصلحة إلى التوقيع عليه، وتعزم النية على السّداد في وقته؛ حتى لا يعمل بمقتضى ذلك الشرط.

ومثل هذه الشروط مما عمّت به البلوى، وعسُر الاحتراز منه، والأمر إذا ضاق اتسع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني