الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجها يؤذيها وتريد الطلاق وخلع الحجاب؛ لأجل العمل والصرف على أولادها، وأهلها يرفضون الطلاق

السؤال

أريد الطلاق بسبب ضرر بيِّن؛ لأنني أخشى على نفسي الكفر (بدأت أظن أن الكافر محق في القول بعدم وجود الله) وذلك لأنني محجبة، وزوجي يعمد إلى إيذائي؛ لعدم قدرتي على العمل بالحجاب.
فأريد الطلاق، وخلع الحجاب؛ لأعمل، وأصرف على أبنائي، لأنني أظن أن خلع الحجاب أولى من البقاء مع زوجي، والكفر والعياذ بالله.
أرجو إعانتي إن غلبت على أمري، وفاتني شيء ما، أهلي يرفضون طلاقي.
أعينوني برأي رشيد. جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرا على التزامك بالحجاب، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يثبتك بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وأن يحفظك ويحفظ لك دينك.

ويحسن بنا أن نبدأ بالتعليق على ما ذكرته بين القوسين، فليس الإيمان بالأمر الهين الذي يكون صاحبه مستعدا لاستبداله بالكفر لأدنى ابتلاء يمر عليه في هذه الحياة.

فقد ابتلي الأنبياء والصالحون بأشد أنواع البلاء، حتى إن منهم من قُتِل لأجل دينه، فلم يرتض أحدهم أن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.

قال تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ {الأنعام:34}.

وتعلمين ما أصاب سمية بنت خياط أم عمار -رضي الله عنهما- وكيف أنها قتلت من أجل دينها، طعنها أبو جهل بحربة، فقتلها.

والدنيا دار ابتلاء، يبتلي الله فيها عباده بالخير والشر، قال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.

وجاءت النصوص دالة على أن هذا الابتلاء قد يكون علامة خير لصاحبه، ثبت في صحيح مسلم عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له.

وفي مسند أحمد عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عجبت للمؤمن، إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرا له. فبالصبر تأتي المحن حاملة في ثناياها المنح والعطايا، ولمزيد من الفائدة، انظري الفتوى: 18103، ففيها بيان فضائل الصبر.

فاتقي الله واصبري، وإن جاء على خاطرك شيء من وساوس الكفر، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ودافعيها ولا تسترسلي معها، فإنها لن تضرك.

ولا ندري ما الذي يدعوك للعمل، فضلا عن أن تحتاجي لنزع الحجاب من أجل العمل؛ فقد ثبت بأدلة الشرع أن نفقة الزوجة وأولادها واجبة على الزوج، ولا يلزم المرأة أن تعمل لتقوم بالنفقة على نفسها وأولادها، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 113285.

وقد أوضحنا فيها أيضا أن للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه إن امتنع عن الإنفاق عليها وعلى أولادها، وإن لم تعثر على مال له فيمكنها أن ترفع الأمر إلى المحكمة الشرعية، أو ما يقوم مقامها كالمراكز الإسلامية ليرفع عنها الضرر.

والحجاب فريضة شرعية، فلا يجوز للمرأة المسلمة نزعه إلا لضرورة لا يمكن دفعها إلا بنزعه، وانظري الفتوى: 35234، وقد أوضحنا فيها أدلة فرضية الحجاب.

ولو افترضنا أن الضرورة قد دعتك للعمل، ولم تجدي غير هذا العمل الذي يستوجب نزع الحجاب، فيجوز لك الالتحاق به للضرورة، ولكن لا تنزعي الحجاب إلا بالقدر الذي تقتضيه الضرورة، وفي الوقت الذي لا بد من نزعه فيه، ويجب عليك ترك هذا العمل إذا زالت الضرورة.

هذا مع العلم بأن حد الضرورة المبيحة للمحظور هي: بلوغ الإنسان حداً إن لم يفعل المحظور هلك، أو قارب على الهلاك، أو وقع في مشقة يصعب عليه تحملها. وراجعي الفتوى: 29064.

ولم نفهم ما تعنيه على وجه التحديد بقولك:( وزوجي يعمد إلى إيذائي؛ لعدم قدرتي على العمل بالحجاب).

والأصل المنع من طلب المرأة الطلاق من زوجها إلا إذا كان لها عذر شرعي في ذلك، وقد ذكر أهل العلم أن من الأعذار المبيحة لطلب الطلاق تضرر المرأة من زوجها ضررا بينا، وقد بينا كلامهم بهذا الخصوص في الفتوى: 37112.

وإذا كانت المرأة متضررة، فليس لوالديها فضلا عن غيرهم من أهلها أن يمنعوها من طلب الطلاق، ولا تجب عليها طاعتهما، فالطاعة إنما تكون في المعروف، وليس من المعروف أن تطيع والديها فيما فيه ضرر عليها.

ونختم بالقول بأن الأفضل أن تشافهي بسؤالك أحد العلماء عندكم، أو أن ترفعي الأمر لأحد المراكز الإسلامية؛ ليمكن السماع من زوجك أيضا، والتبين في بعض الأمور التي قد تحتاج لتوضيح، وإفادتك بالحكم الذي يتناسب وحالك، وأيضا بذل النصح لزوجك فيما قد يكون قد وقع فيه من تقصير، والعمل على حل المشكل بينكما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني