الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيهات حول تشغيل القرآن باستمرار في المنزل، وضرورة مراعاة أهل البيت

السؤال

أبي يشغل القرآن طول اليوم على سماعات البلوتوث: 24 ساعة، وإذا وجدنا قد أطفأناها ينزعج كثيرا.
حاولت مرارا أن أوضح له أنه لا يجوز أن يكون القرآن شغالا ونحن غير منصتين له، لكن رده دائما: "أنت تكرهين سماع القرآن" وأننا نعرض عن التذكرة مثل قوم نوح عندما سدوا آذانهم وما إلى ذلك.
كان في البداية يشغله في غرفة واحدة، وعندما وجد أننا لا ندخلها كثيرا أصبح يشغله في البيت كله.
كيف أعيش وصوت القرآن بجانبي طول الوقت؟! لا أستطيع التركيز في تلاوتي للقرآن ولا مذاكرتي بسبب علو الصوت، ولأنني أشعر بالذنب، أحيانا أريد أن أصفي رأسي قليلا من الإرهاق من المذاكرة، أو أريد التفكر مثلا فلا أستطيع.
ماذا أفعل حيال ذلك؟
أصبحت أكره سماع صوت السماعات بسبب كثرة ما يفعله أبي، طول اليوم سورة البقرة والرقية الشرعية المسجلة يتكرران، حسنا القرآن 30 جزءا أريد سماعها. أيضا لن أقرأ وأستمع إلى سورة البقرة فقط طول حياتي!
هل علي ذنب عندما أتأفف من هذا؟ أنا لا أتأفف من القرآن ولكن من مبالغة أبي.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التأفف من تصرفات الوالد لا إثم عليك فيها إن لم تظهريها له، وأما إظهار ذلك له فهو عقوق؛ كما قال تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ {الإسراء:23}.

قال القرطبي رحمه الله: فلا تقل لهما أف ـ أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم. اهـ

وقال ابن كثير رحمه الله: وَقَوْلُهُ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ـ أَيْ: لَا تُسْمِعْهُمَا قَوْلًا سَيِّئًا، حَتَّى وَلَا التَّأْفِيفَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقَوْلِ السَّيِّئِ، وَلا تَنْهَرْهُمَا ـ أَيْ: وَلَا يَصْدُرْ مِنْكَ إِلَيْهِمَا فِعْلٌ قَبِيحٌ. اهـ.

ثم إن ما يقوم به والدك من تشغيل القرآن باستمرار في البيت كله، وفي أهل البيت من يريد أن يذاكر أو يراجع واجباته أو يعبد ربه بطريقة يرغب فيها وينشط لها أو ينام، لا ينبغي، ويخشى أن يكون فيه سوء أدب مع القرآن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوقف عن قراءة القرآن في حالة الغفلة والانشغال عن التدبر فيه، وعدم النشاط للاستفادة منه، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن جندب بن عبد الله البجلي قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا.

قال المناوي في فيض القدير: اقرؤوا القرآن، أي: داوموا على قراءته، ما ائتلفت أي: ما اجتمعت عليه قلوبكم، أي: ما دامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤوه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة، فإذا اختلفتم فيه بأن مللتم، أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم، وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون فقوموا عنه، أي: اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى، فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب. اهـ.

ولا فرق بين القراءة المباشرة وبين القراءة المسجلة. فوضحوا لوالدكم حالتكم وحاجتكم للرغبة في التفرغ لشؤونكم، وأن القراءة تشوش عليكم وتحرجكم، وأنه بإمكانه تشغيل المسجل في أوقات مناسبة. وللفائدة تراجع الفتوى: 26180

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني