الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إساءة الأم لابنتها لا يسقط حقها في البِرِّ

السؤال

أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، مُقبلة على العشرين، كنت مهملة في صلاتي وإيماني؛ لأنني لم أكن أعرف من هو الله، رغم أنني مسلمة والحمد لله، لكن مسلمة بالاسم فقط.
وهذا ما يزعجني، ويشعرني بالذنب طول حياتي. وللأسف الشديد، هذا هو الحال مع أغلب أسرتي عدا أخي الكبير وأمي وأبي، علمًا أننا عشرة أفراد.
أمي وأبي لم يبذلا جهدًا كبيرًا في تربيتنا على النهج الصحيح. والحمد لله، نحن أصحاب أخلاق عالية، لكن لا نعبد الله بشكل صحيح.
سؤالي هو: في بعض الأحيان أرفع صوتي على والدتي، وأجادلها، أو أنظر إليها بنظرات مزعجة، ليس عمدًا مني، لكن صبري قد نفد.
هي تتعامل معنا وكأننا عِبْء عليها، وكأن وجودنا غير مرحب به.
في بعض الأحيان تدعو علي بالموت، وتصرخ، وتسب، بل وتضرب، وتطلق دعوات تتمنى فيها عدم توفيقي.
لا أشعر نحوها بمشاعر الأمومة؛ فهي دائمًا تجعلني أشعر بأنني عبء عليهم، وتنتقد خلقي وشكلي، وتقارنني بالعديد من أقاربي حتى وإن كنت أفضل منهم.
وتهينني أمام عائلتي وحتى عماتي؛ مما يشعرني بالخجل، ويسبب البُغض نحوها.
أنا أخاف الله، وأخشى عذابه الذي قد يحل علي إن استمررت بهذا السلوك غير المَرْضِي.
فهل تصرفي حرام ويغضب ربي؟ وماذا علي أن أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ففي البداية نسأل أن يرزقك الاستقامة التامة على شرعه، وأن يَمُنَّ عليك بالطمأنينة، والفقه في الدين، وأن يوفقك لكل خير، ولا بدّ أن ننبهك على عدة أمور:

1ـ التأكيد على حق الوالدين، وأهمية مراعاة ذلك الحق، وخصوصاً الأم، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15}.

وفي الصحيحين أن: رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.

هذا حق ثابت للأم لا يسقطه أو ينقصه سوء خُلُقِها، أو فسقها، بل ولا حتى شركها وكفرها بالله تعالى.

قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.

2ـ إن كانت أمك تؤذيك كما ذكرتِ؛ فهي آثمة، فالأصل حرمة إيذاء المسلم والمسلمة بغير وجه شرعي.

لكن هذا لا يبيح تعمّد رفع الصوت عليها، ولا النظر إليها بازدراء، أو تهديد؛ فإن هذا من العقوق. وهو محرم بلا شك.

وقد ذكرنا في الفتوى: 73463، ضابط عقوق الوالدين، وهو أن يحصل من الشخص اتجاه أبويه أو أحدهما إيذاء متعمد، تعارف الناس على أنه عقوق.

3ـ ما تجدينه في قلبك من كراهية تجاه أمك بسبب أذيتها لك؛ لا تأثمين عليه إذا لم يصدر منك تعمد ما يؤذيها، فإن كراهة القلب لا مؤاخذة عليها، كما تقدم في الفتوى: 334819.

4ـ نصيحتنا لك أن تجتهدي في برّ أمّك، والإحسان إليها قدر طاقتك، وأن تصبري على أذاها، وتتجاوزي عن إساءتها إليك، وأن تحتسبي أجر ذلك عند الله تعالى.

وأبشري خيراً بعظيم الأجر، وجزيل الثواب؛ فإنّ بر الأمّ من أفضل الأعمال التي يحبها الله. والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته وتوفيقه.

5ـ ننصحك بالبحث عن بعض النساء الصالحات؛ فاصحبيهن، فإن ذلك من أسباب الاستقامة.

مع الاجتهاد في التفقه في الدين، والاستماع إلى المواد المشتملة على الوعظ، والأحكام الشرعية، والبعد عن مواطن الفتن، والمنكرات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني