الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط الدخول في معاملات الخدمات العامة التي تشترط غرامة التأخير

السؤال

‏‏أعيش في شمال أوروبا، وعندي مسألة أحتاج أن أعلم حكم الله فيها، وقد عمّت بها البلوى في هذا البلد، فقد قمت بحجز موقف للسيارة عن طريق الشركة التي تملك بنايتنا، فوقّعت على العقد، وكنت قد فرحتُ أن العقد لم يصرح بأي نسبة ربوية تضاف غرامةً للتأخير، وإنما بدأت أشك في المسألة؛ لأنني أعلم أن شركة أخرى مخصصة بإرسال الفاتورة تقوم بالتغريم إذا حصل تأخّر دفع الفاتورة، وهذا الأمر خارج عن سيطرتي وعن سيطرة الشركة التي وقع العقد بيننا؛ لأن الذي يضيف النسبة الربوية -غرامة التأخير- إنما هي شركة تحصيل الفاتورة، وليست شركة البناية، فهل أكون قد وقّعت على عقد ربوي محرم؛ نظرًا لقاعدة المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا؟ علمًا أن موقف السيارة ليس ضرورة ماسّة، لا تتم الحياة إلا بها لي شخصيًّا، ولكنه حاجة، ثم هذه المشكلة لا يسلم منها أحد في هذا البلد؛ إذ جميع الفواتير -من هواتف، وكهرباء، وإيجار بيت، وما إلى ذلك من الأمور- تبعث بهذه الطريقة؛ ومن ثم تتعرض لاحتمال غرامة التأخير عن طريق أطراف أخرى غير المتعاقدين، أما الضرورة -مثل إيجار البيت، وما إلى ذلك من الأمور مما يؤدّي عدمها إلى ضرر، أو هلاك، لا سيما في هذه البلاد الباردة غاية البرد- فأفهم أن الأمر فيها أوسع، أما الحاجيات -من هاتف، وموقف للسيارة، وما إلى ذلك من الأمور مما يؤدي عدمها إلى ضيق وحرج -بعضه أشد من بعض- لا إلى ضرر ولا هلاك، فهل يجوز توقيع العقود فيها، مع جزم النية بعدم التأخر في دفع فواتيرها؟ مع العلم بوجود طرف ثالث -وقد يصرّح به أحيانًا- قد يفرض الربا حال التأخر، أم يجب تركها قدر الاستطاعة؟ أما المصرح به في العقد، أو ما يقوم به أحد المتعاقدين؛ فعلى ما أفهم أنه لا يجوز، فما حكم الحالة التي ذكرناها؟ وقد طرحت هذا الموضوع على بعض أقاربي فرأوا أن هذا وسواس، وأنني بشكّي هذا سوف أحرّم كل الفواتير في هذه البلاد؛ فإن كان وسواسًا أو تنطعًا وتعمقًا في دين الله بما لم يأذن به الله وإلا فأنا جاهز بإذن الله تعالى أن أتتبع كل العقود المشابهة لما سلف ذكره؛ فأتخلّص منها، وألغيها بإذن الله تعالى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دامت البلوى قد عمّت بمثل هذا الشرط -كما ذكرت-؛ فلا حرج عليك في الدخول في معاملة سداد فواتير الهاتف، أو مواقف السيارات، أو غير ذلك مما يُشترط فيه غرامة التأخير من قبل محصلي تلك الفواتير، مع الالتزام بالسداد دون تأخير؛ تجنبًا لدفع تلك الغرامة؛ وذلك لأن عموم البلوى من أسباب التخفيف، ورفع الحرج، ومن المقرر عند الفقهاء: أنه إذا ضاق الأمر اتسع.

قال ابن أبي هريرة - كما في الأشباه والنظائر للسيوطي -: وضعت الأشياء في الأصول على أنها إذا ضاقت اتسعت، وإذا اتسعت ضاقت. اهـ.

وهذه الرخصة ليست خاصة بحالة الضرورة، التي يترتب الهلاك بتركها، وإنما تجوز للحاجة، ولا سيما إذا كانت عامة، وانظر الفتويين: 395278، 466315.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني