الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محاذير تكليف الطالب لشخص غيره ليكون مكانه في فترة التدريب التخصصي

السؤال

لدينا فترة تدريب إجبارية -كطلاب طب بعد التخرج-، تتوزع على التخصصات المختلفة، مع تقديم مكافأة شهرية رمزية جدًا. فما حكم أن يقوم شخص بتكليف شخص آخر ليحل محله في فترة التدريب بمقابل مادي، بغض النظر عن الأعذار التي تدفعه لذلك؟
قد تكون هذه الأعذار مثل: العمل في وظيفة أخرى؛ لزيادة دخله، سواءً في المجال الطبي أو خارجه، نظرًا لضآلة المكافأة، أو بسبب التعب والرغبة في الحصول على إجازة مع رفض المستشفى ذلك، أو الاستعداد للزواج مع عدم موافقة المستشفى على منحه إجازة، أو غيرها من الأعذار. وقد يكون الشخص الذي يحل محله زميلًا له، أو شخصًا أصغر سنًا، وما يزال طالبًا. مع العلم أن فترة التدريب هذه تُسجَّل في شهادة التخرج على أنها مدة قضاها المتدرب في تخصص معين.
وماذا عن هذا العذر -تحديدًا- خلال فترة التدريب في التخصص الجراحي؟ على سبيل المثال، قد لا يُقدّم التدريب المطلوب بالشكل الكافي في هذا المجال، إذ يكون الطبيب دائم الانشغال بالعمل، ومطالبًا بتحمُّل المسؤولية منذ البداية. فإذا كان هناك شخص لا يحب التخصص الجراحي، ويفضّل التخصص الباطني، ويرى أن بيئة العمل في الجراحة شديدة الصعوبة بسبب الازدحام والضغوط، ولا يستطيع التكيُّف معها، مما قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بنفسه، أو بالمرضى، إذا استمر في ممارسة هذا التخصص، خاصةً أنه لن يتخصص فيه مستقبلاً. فهل يجوز أن يحلّ مكانه أحد زملائه المهتمين بهذا التخصص، ممن يمتلكون المهارة والقدرة على أدائه، سواءً بمقابل مادي أو بدونه؟
مع ملاحظة أن جهة العمل تشترط فقط أن يُسجَّل الحضور، ولا تتدخل فيما يحدث بعد ذلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز فعل ذلك مطلقًا؛ وذلك لأسباب عدّة:

منها: ما في ذلك من الكذب، والغش، وتضييع الأمانة، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال: 27}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم.

ومنها: مخالفة الشروط المعتبرة للحصول على شهادة الطب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقًا، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.

ومنها: ما سيكون في الشهادة من الزور إذا لم يحضر الطالب هذه الفترة التدريبية؛ لأنها تُسجل في شهادة التخرج على أنها مدّة قضاها المتدرب في تخصص معين -كما ذكر السائل-، وقد قال الله تعالى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج: 30}.

ومنها: أن إجبار الجهات المختصة لطلبة الطب على التدريب، إنما كان مراعاة للمصلحة العامة، وتحصيلًا للمهارة المطلوبة في هذا المجال الحساس، وما كان كذلك، وجب الالتزام به ظاهرًا وباطنًا، والقاعدة في ذلك أن: (تصرف الراعي على الرعية، منوط بالمصلحة، فحيث وجدت لزمت طاعته).

وكون التدريب يكون بعضه في مجال يبغضه الطالب، ولا يريد التخصص فيه، لا يعفيه من المسؤولية، فإنه من المعروف أن التدريس في هذا المجال يستهدف أولًا تحقيق قاعدة عامة في مجالات الطب إجمالًا، ثم يأتي التخصص بعد ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني