السؤال
قال الحاكم في المستدرك: (أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى ومحمد بن محمد بن يعقوب الحافظ قالا: ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: «إني رأيتني على تل وحولي بقر تُنْحَر»، فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة، قالت: «أعوذ بالله من شرك، بئس ما قلت» فقلت لها: فلعله إن كان أمرًا سيسوؤك، فقالت: «والله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك»، فلما كان بعد ذكر عندها أن عليًا رضي الله عنه قتل ذا الثدية، فقالت لي: «إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناسًا ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد»، فلما قدمت وجدت الناس أشياعًا، فكتبت لها من كل شيع عشرة ممن شهد ذلك، فأتيتها بشهادتهم، فقالت: «لعن الله عمرو بن العاص؛ فإنه زعم لي أنه قتله بمصر»، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).. انتهى من المستدرك.. وقال الذهبي في التلخيص: (على شرط البخاري ومسلم)..
وبحثت في رجال هذا السند فوجدتهم كلهم ثقات.. إلا الأعمش فإنه ثقة ورع لكنه كان يدلس..
فهو إذن حديث صحيح كما قال الحافظ الذهبي.. فما تفسير لعن عائشة رضي الله عنها لعمرو بن العاص رضي الله عنه..
وجزاكم الله خيرًا..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث صحيح كما ذكرت، وقول عائشة رضي الله عنها يمكن حمله على أنها ربما كانت ترى جواز لعن المعين إذا ارتكب كبيرة أو كان مجاهراً بالفسق، فلما أخبرت بقتل علي ذا الثدية ظنت أن عمرو بن العاص قصد الكذب عليها والتدليس فذكرت ذلك.
وأخرج ابن حبان في صحيحه أنها قالت: ما فعل يزيد بن قيس عليه لعنة الله؟ قالوا: قد مات، فاستغفرت الله، فقالوا: مالك لعنتيه ثم قلت: أستغفر الله؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
فدل ذلك على أنها كانت ترى جواز لعن المعين المرتكب للكبيرة، ولكن هذا يخالف ما تفيده الأدلة من النهي عن ذلك، وأنه لا يجوز لعن المعين وهو الصحيح والراجح، كما في الفتوى رقم: 10853.
وعائشة مع جلالة قدرها وكبير فضلها وغزير علمها قد تخطئ كغيرها من البشر، لأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا هو.
وعمرو بن العاص رضي الله عنه صحابي جليل، ولا يمكن حمل كلامه إلا على أنه توهم أنه قتل ذات الثدية فاشتبه عليه فأخطأ، ولا يستوجب ذلك لعنه أو سبه عفا الله عنها وعنه وعنا وعن جميع المسلمين، واعلم أنه يجب الكف عما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، وراجع هاتين الفتويين: 38633، 40767.
والله أعلم.