الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة

السؤال

إذا كان التبني حراما في الإسلام, كيف تبنى الرسول عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة وقال عليه الصلاة والسلام " يرثني و أرثه"؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالتبني محرم في الإسلام وسبق بيانه في الفتوى رقم: 58889

وأما كيف تبنى الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فإن ذلك كان قبل نزول آيات تحريم التبني، فإن التبني كان معمولا به في أول الإسلام ثم نسخ وحرم، قال القرطبي رحمه الله في التفسير: قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ. أجمع أهل التفسير على أن هذه نزلت في زيد بن حارثة، وروى الأئمة أن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ {الأحزاب: 5}

وقال أيضا: قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ. نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه وفي قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، دليل على أن التبني كان معمولاً به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. أي أعدل. فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسباً، .... وقال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن، فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي ، يعني في الدين ، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات: 10}. انتهى

وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره من الشام سَبَتْه خيل من تهامة، فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد، فوهبه لعمته خديجة، فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه فأقام عنده مدة، ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه، قال في روح المعاني : "وكان من أمره رضي الله تعالى عنه على ما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال:.. ركب معه أبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة فلقوا رسول الله فقال له حارثة: يا محمد أنتم أهل حرم الله تعالى وجيرانه وعند بيته تفكون العاني وتطعمون الأسير ابني عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنك ابن سيد قومه وإنا سنرفع إليك في الفداء ما أحببت فقال له رسول الله: أعطيكم خيرا من ذلك قالوا: وما هو؟ قال: أخيّره، فإن اختاركم فخذوه بغير فداء، وإن إختارني فكفوا عنه فقال: جزاك الله تعالى خيرا فقد أحسنت فدعاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا زيد أتعرف هؤلاء قال: نعم هذا أبي وعمي وأخي فقال عليه الصلاة والسلام: فهم من قد عرفتهم، فإن اخترتهم فاذهب معهم، وإن اخترتني فأنا من تعلم قال له زيد: ما أنا بمختار عليك أحدا أبدا أنت معي بمكان الوالد والعم قال أبوه وعمه: أيا زيد أتختار العبودية قال: ما أنا بمفارق هذا الرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حرصه عليه قال: اشهدوا أنه حر وإنه ابني يرثني وأرثه، فطابت نفس أبيه وعمه لما رأوا من كرامته عليه عليه الصلاة والسلام، فلم يزل في الجاهلية يدعى زيد بن محمد حتى نزل القرآن: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ. فدعي زيد بن حارثة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني