السؤال
قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) تفسير (سميعا بصيرا)
يقول تعالى ذكره: فجعلناه ذا سمع يسمع به وذا بصر يبصر به إنعاما من الله على عباده بذلك ورأفة منه لهم وحجة له .
يوجد بعض الناس لا يوجد لهم سمع ولا بصر وبالتالي أريد تفسير هذه الآية قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)
فكيف تخصص هذه الآية للذين عندهم سمع وبصر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فان إنعام الله تعالى على عباده بالسمع والبصر هو الأمر الأغلب في حياة الناس؛ كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ {الملك: 23} وقال تعالى: وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل:78}
والعبد مسؤول عن هذه النعم أمام الله تعالى يوم القيامة، كما قال الله سبحانه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36}.
فمن استعملها في طاعة الله تعالى فقد أفلح ونجا، ومن استعملها في معصيته فقد خاب وخسر، فالله تعالى أعطى نعمة السمع والبصر والعقل ليتمكن العبد بهم من مشاهدة الدلائل، وينظر الآيات الآفاقية والأنفسية، ويسمع الأدلة السمعية، ويتدبر الآيات التنزيلية والعقلية.
قال القرطبي في التفسير: فجعلناه سميعا بصيرا: يعني جعلنا له سمعاً يسمع به الهدى، وبصراً يبصر به الهدي. اهـ
وقال ابن كثير: فجعلناه سميعاً بصيراً: أي جعلنا له سمعاً وبصراً يتمكن بهما من الطاعة والمعصية. اهـ
ولو افترضنا أن شخصا خرج عن هذا الغالب فولد وعاش فاقد السمع والبصر فإنه يعتبر غير مكلف شرعا لأنه مثل من لم تبلغه رسالة الله، قال القرافي في الفروق: واعلم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل...اهـ
وفي فتاوى شيخ الإسلام: وسئل - نفع الله به - عمن ولد أصم أعمى أخرس فهل تجب عليه الصلاة؟ ( فأجاب ) بقوله: صرح ابن العماد بأنها لا تجب عليه; كمن لم تبلغه الدعوة، وهو ظاهر موافق لما عليه أئمتنا وغيرهم ; أنه لا تكليف إلا بعد علم، فحيث انتفى عن هذا العلم بالشرع من أصله، فهو غير مكلف بالصلاة وغيرها. اهـ
وقال المرداوي في الإنصاف: نقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا ـ هو بمنزلة الميت هو مع أبويه. وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا. قال: هو معهما.
قال في الفروع: ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة. وقاله شيخنا: وذكر في الفنون عن أصحابنا: لا يعاقب. وفي نهاية المبتدي: لا يعاقب. اهـ
وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: قال في الفنون: وإذا منع حائل البعد شروط التكليف فأولى أن يمنع ذلك فيمن بلغ مجنونا أو ولد أعمى أبكم أصم ؛ لعدم جواز إرسال رسول إليهما بخلاف غيرهما، وإنما تجب معرفته بالشرع لآية: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ؛ أي: لا يعذب فيما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة الرسول؛ ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوهما ؛ لم يلزمه قضاء شيء منها لأنها لا تلزمه إلا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا. ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بفرض الصلاة ؛ فعليه القضاء ؛ لأنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة وذلك دعاء إليهما. ذكر ذلك ابن الجوزي ولم يزد عليه. اهـ
والله أعلم.