الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إظهار الغنة في الإدغام الناقص

السؤال

سؤالي في أحكام النون الساكنة والتنوين في حكم الإدغام.
لماذا تظهر الغنة في الإدغام الناقص مع الواو والياء، مع أنه في الإدغام الكامل لا تظهر مع باقي الأحرف في الحرف المدغم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن إدغام النون الساكنة والتنوين يأتي عند ستة أحرف هي حروف "يرملون". ومنها حرفان بلا غنة، وهما اللام والراء نحو: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا؛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، مِن رَّبِّهِمْ، ثَمَرَةٍ رِّزْقًا).

والأربعة أحرف الباقية من "يرملون" وهي: النون والميم والواو والياء. وهي حروف "ينمو" تدغم فيها النون الساكنة والتنوين بغنة نحو(عَن نَّفْس، حِطَّةٌ نَّغْفِرْ، مِن مَّالٍ، مَثَلا مَّا، مِن وَالٍ، وَرَعْدٌ وبَرْقٌ، مَن يَقُولُ، وبَرْقٌ يَجْعَلُونَ).

قال الجزري في المقدمة:

وحكم تنوين ونون يلفى إظهار ادغام وقلب إخفا

فعند حرف الحلق أظهر وادغم في اللام والرا لا بغنة لزم

وأدغمن بغنة في يومن إلا بكلمة كدنيا عنونوا

والقلب عند البا بغنة كذا إخفا لدى باقي الحروف أخذا

واستثنى بعض القراء النون في يس ون، فأظهر النون عندهما، ومن هؤلاء: حفص، وابن كثير، وأبو عمرو، وقالون، وورش في رواية عنه، واستثنى حمزة النون من طسم، فأظهر النون قبل الميم.

قال الشاطبي:

وياسين أظهر عن فتى حقه بدا ونون وفيه الخلف عن ورشهم خلا

وطس عند الميم فاز ...

واختلف القراء في إبقاء الغنة في الواو والياء. فأدغم خلف عن حمزة فيهما النون والتنوين بلا غنة، واختلف عن الدوري عن الكسائي في الياء فروى عنه أبو عثمان الضرير الإدغام بغير غنة كرواية خلف عن حمزة. وروى عنه جعفر بن محمد: تبقية الغنة كالباقين.

وأجمعوا على إظهار النون الساكنة عند الواو والياء إذا اجتمعا في كلمة واحدة نحو (صِنْوانٌ، وقِنْوَانٌ، والدُّنْيَا، وبُنْيَان) لئلا يشتبه بالمضعف نحو صوان، وحيان؛ وكذلك أظهرها العرب مع الميم في الكلمة في نحو قولهم شاة زنماء، وغنم زنم، ولم يقع مثله في القرآن.

هذا ملخص ما ذكره ابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر.

وأما سؤالك عن السبب الذي جعل الغنة تظهر في الإدغام الناقص مع الواو والياء، وأنها في الإدغام الخالص لا تظهر مع باقي الحروف، فجوابه من وجهين:

الأول: أنه ليس على إطلاقه؛ لأنك قد علمت أن الغنة توجد عند إدغام النون في نفسها وفي الميم، وهو إدغام خالص.

كما علمت مما سبق أيضًا أن بعض الروايات والطرق عن حمزة والكسائي تدغم النون في الواو والياء من غير غنة.

والثاني: أنها في الإدغام الخالص (مع الراء واللام) قد قيل بوجودها، فقد ذهب جمهور القراء إلي عدم الغنة مع الراء واللام، فذهب شعبة وحمزة والكسائي وخلف في اختياره لعدم الغنة قولا واحدا وهو الراجح أيضا عن الأزرق وهو المعمول به.

والباقون بالخلاف ـ والوجهان صحيحان مقروء بهما ـ والأشهر عنهم عدم الغنة

قال الجزري في النشر في ثبوت الغنة للقراء: ...(قلت) وقد وردت الغنة مع اللام والراء عن كل من القراء وصحت من طريق كتابنا نصاً وأداء عن أهل الحجاز والشام والبصرة وحفص. وقرأت بها من رواية قالون وابن كثير وهشام وعيسى بن وردان وروح وغيرهم... اهـ.

وقال في الطيبة:

وَادْغِمْ بِلاَ غُنَّةِ فِي لاَمٍ وَرَا وَهْيَ لِغَيْرِ صُحْبَةٍ أيْضًا تُرَى

وَالْكُلُّ فِي يَنْمُو بِهَا وَضِقْ حَذَفْ فِي الْوَاوِ وَالْيَا وَتَرَى فِي الْيَا اخْتَلَفْ

ولا يعدم أي من الفرقين تعليلاً لوجود الغنة أو عدمها في ذلك كله، إلا أن الحجة القاطعة هي أن القراءة سنة متبعة، فما تواتر منها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجب الأخذ به دون الحاجة إلى تعليل، وإذا كان التعليل لا بد منه، فاعلم أن سبب الإدغام الخالص في اللام والراء هو تقارب المخرجين أو اتحادهما، فإن النون تخرج مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا من اللثة، وهو قريب من مخرج اللام والراء، فناسب الإدغام الخالص للشبه بالمثلين، وسبب إبقاء الغنة عند من قرأ به ما في بقائها من الدلالة على الحرف المدغم.

وأما الياء والواو؛ فيبعدان عن مخرج النون، فالواو تخرج من الشفتين، والياء تخرج من وسط اللسان، فلم يذهب الجمهور الغنة بالكلية عند الياء والواو، لما في بقائها من الدلالة على الحرف المدغم، وحجة من أدغم إدغامًا خالصًا هو وجود التقارب بين النون وبين الواو والياء، فألحقوا المتقاربين بالمتماثلين.

قال أبو شامة في إبراز المعاني عند شرح قول الشاطبي:

وَكُلُّهُمُ التَّنْوينَ وَالنُّونَ ادْغَمُوا بِلاَ غُنَّةٍ فِي الّلاَمِ وَالرَّا لِيَجْمُلاَ

قال: أي كل القراء أدغموهما في اللام والراء للقلب، وأسقطوا غنة التنوين والنون منهما لتنزلهما من اللام والراء منزلة المثل لشدة القرب... اهـ.

ويقول الملا علي في المنح الفكرية: وجه الإدغام في اللام والراء تلاصق المخرج عند الجمهور واتحادهما عند جمع ونفي الغنة مبالغة في التخفيف. اهـ.

وقال محمد مكي: وحجة الأكثرين في بقاء الغنة عند الياء والواو ما في بقائهما من الدلالة على الحرف المدغم. اهـ.

ويقول الضباع: ومن أبقي الغنة في الواو والياء حجته ما في بقاء الغنة من الدلالة على الحرف المدغم، ويقوي ذلك أنهم مجمعون على بقاء صوت الإطباق إذا أدغمت في التاء نحو: بسطت، فبقاء الإطباق مع إدغام الطاء شبيه ببقاء الغنة مع إدغام النون. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني