السؤال
قرأت هذه الآية الكريمة ثم بحثت عنها في التفاسير مثل الطبري الجلالين القرطبي البغوي وأدركت سبب نزولها، لكن أود أن أعلم على من تنطبق في وقتنا الحالي، الآية هي قوله فى سورة المائدة: أنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الآرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم. مزيد من الإفادة؟ جزاكم الله خيراً دون أن تنسوننا من الدعاء بأن يرزقني الله بالذرية الصالحة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة، وأن يوفقك لكل خير، والآية الكريمة التي ذكرتها تشتمل على أنواع عقوبة المحارب، وهذه العقوبة يستحقها كل من اتصف بها في أي زمان أو مكان، وبالتالي فعندما تتوفر شروط الحرابة يستحق صاحبها أن يطبق عليه الحد الشرعي، ولا يمكننا تعيين شخص أو أشخاص الآن يتصفون بالحرابة مع أن هذا لا تأثير له في الحكم الشرعي، وشروط الحرابة محل خلاف بين العلماء فمنهم من يشترط:
- كون الحرابة قد وقعت في الصحراء- وأن يكون المحارب معه سلاح ولو نحو عصا وحجر- وأن يأخذ المال قهراً علانية لا خفية، وإليك التفصيل في مذاهب أهل العلم في ذلك.
قال ابن قدامة: وجملته أن المحاربين الذين تثبت لهم أحكام المحاربة التي نذكرها بعد، تعتبر لهم شروط ثلاثة، أحدها: أن يكون ذلك في الصحراء، فإن كان ذلك منهم في القرى والأمصار، فقد توقف أحمد -رحمه الله- فيهم وظاهر كلام الخرقي أنهم غير محاربين. وقال أبو حنيفة، والثوري، وإسحاق، لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق، وقطع الطريق إنما هو في الصحراء، ولأن من في المصر يلحق به الغوث غالباً، فتذهب شوكة المعتدين، ويكونون مختلسين، والمختلس ليس بقاطع ولا حد عليه. وقال كثير من أصحابنا: هو قاطع حيث كان. وبه قال الأوزاعي، والليث، والشافعي، وأبو يوسف، وأبو ثور، لتناول الآية بعمومها كل محارب، ولأن ذلك إذا وجد في المصر كان أعظم خوفاً، وأكثر ضرراً، فكان بذلك أولى، وذكر القاضي أن هذا إن كان في المصر، مثل أن كبسوا داراً، فكان أهل الدار بحيث لو صاحوا أدركهم الغوث، فليس هؤلاء بقطاع طريق، لأنهم في موضع يلحقهم الغوث عادة، وإن حصروا قرية أو بلداً ففتحوه وغلبوا على أهله، أو محلة منفردة، بحيث لا يدركهم الغوث عادة، فهم محاربون، لأنهم لا يلحقهم الغوث، فأشبه قطاع الطريق في الصحراء. الشرط الثاني: أن يكون معهم سلاح، فإن لم يكن معهم سلاح فهم غير محاربين، لأنهم لا يمنعون من يقصدهم، ولا نعلم في هذا خلافاً. فإن عرضوا بالعصى والحجارة فهم محاربون، وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة: ليسوا محاريبن لأنه لا سلاح معهم، ولنا أن ذلك من جملة السلاح الذي يأتي على النفس والطرف، فأشبه الحديد.
الشرط الثالث: أن يأتوا مجاهرة، ويأخذوا المال قهراً، فأما إن أخذوه مختفين، فهم سراق، وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون، لا قطع عليهم، وكذلك إن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة، فاستلبوا منها شيئاً، فليسوا بمحاربين، لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة. وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم، فهم قطاع طريق. انتهى.
والله أعلم.