قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا
فيه خمس مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28990قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا التزمت
مريم - عليها السلام - ما أمرت به من ترك الكلام ، ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت ب
[ ص: 29 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26إني نذرت للرحمن صوما وإنما ورد بأنها أشارت ، فيقوى بهذا قول من قال : إن أمرها ب ( قولي ) إنما أريد به الإشارة . ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة التقرير
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29كيف نكلم من كان في المهد صبيا وكان هنا ليس يراد بها الماضي ؛ لأن كل واحد قد كان في المهد صبيا ، وإنما هي في معنى هو الآن . وقال
أبو عبيدة : كان هنا لغو ؛ كما قال :
[
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق ] :
وجيران لنا كانوا مراما
وقيل : هي بمعنى الوجود والحدوث كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة وقد تقدم . وقال
ابن الأنباري : لا يجوز أن يقال : زائدة وقد نصبت صبيا ولا أن يقال ( كان ) بمعنى حدث ، لأنه لو كانت بمعنى الحدوث والوقوع لاستغنى فيه عن الخبر ، تقول : كان الحر وتكتفي به . والصحيح أن من في معنى الجزاء وكان بمعنى يكن ؛ التقدير : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ؟ ! كما تقول : كيف أعطي من كان لا يقبل عطية ؛ أي من يكن لا يقبل . والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=10تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار أي إن يشأ يجعل . وتقول : من كان إلي منه إحسان كان إليه مني مثله ، أي من يكن منه إلي إحسان يكن إليه مني مثله . والمهد قيل : كان سريرا كالمهد وقيل المهد هاهنا حجر الأم . وقيل : المعنى كيف نكلم من كان سبيله أن ينوم في المهد لصغره ، فلما سمع
عيسى - عليه السلام - كلامهم قال لهم من مرقده :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30إني عبد الله وهي :
الثانية : فقيل : كان
عيسى - عليه السلام - يرضع فلما سمع كلامهم ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه ، واتكأ على يساره ، وأشار إليهم بسبابته اليمنى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30قال إني عبد الله فكان أول ما نطق به الاعتراف بعبوديته لله تعالى وربوبيته ، ردا على من غلا من بعده في شأنه . والكتاب الإنجيل ؛ قيل : آتاه في تلك الحالة الكتاب ، وفهمه وعلمه ، وآتاه النبوة كما علم
آدم الأسماء كلها ، وكان يصوم ويصلي . وهذا في غاية الضعف على ما نبينه في المسألة بعد هذا . وقيل : أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة في الأزل ، وإن لم يكن الكتاب منزلا في الحال ؛ وهذا أصح .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وجعلني مباركا أي ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه ومعلما له .
التستري : وجعلني آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأرشد الضال ، وأنصر المظلوم ، وأغيث
[ ص: 30 ] الملهوف .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وأوصاني بالصلاة والزكاة أي لأؤديهما إذا أدركني التكليف ، وأمكنني أداؤهما ، على القولالأخير الصحيح .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31ما دمت حيا في موضع نصب على الظرف أي دوام حياتي .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32وبرا بوالدتي قال
ابن عباس : لما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32وبرا بوالدتي ولم يقل بوالدي علم أنه شيء من جهة الله تعالى .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32ولم يجعلني جبارا أي متعظما متكبرا يقتل ويضرب على الغضب . وقيل : الجبار الذي لا يرى لأحد عليه حقا قط . شقيا أي خائبا من الخير .
ابن عباس : عاقا . وقيل : عاصيا لربه . وقيل : لم يجعلني تاركا لأمره فأشقى كما شقي إبليس لما ترك أمره .
الثالثة : قال
مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - في هذه الآية : ما أشدها على أهل القدر ! أخبر
عيسى - عليه السلام - بما قضي من أمره ، وبما هو كائن إلى أن يموت . وقد روي في قصص هذه الآية عن
ابن زيد وغيره أنهم لما سمعوا كلام
عيسى أذعنوا وقالوا : إن هذا لأمر عظيم . وروي أن
عيسى - عليه السلام - إنما تكلم في طفولته بهذه الآية ، ثم عاد إلى حالة الأطفال ، حتى مشى على عادة البشر إلى أن بلغ مبلغ الصبيان فكان نطقه إظهار براءة أمه لا أنه كان ممن يعقل في تلك الحالة ، وهو كما ينطق الله تعالى الجوارح يوم القيامة . ولم ينقل أنه دام نطقه ، ولا أنه كان يصلي وهو ابن يوم أو شهر ، ولو كان يدوم نطقه وتسبيحه ووعظه وصلاته في صغره من وقت الولادة لكان مثله مما لا ينكتم ، وهذا كله مما يدل على فساد القول الأول ، ويصرح بجهالة قائله .
ويدل أيضا على أنه تكلم في المهد خلافا
لليهود والنصارى . والدليل على ذلك إجماع الفرق على أنها لم تحد . وإنما صح براءتها من الزنا بكلامه في المهد . ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة ، والقرون الخالية الماضية ، فهو مما يثبت حكمه ولم ينسخ في شريعة أمره . وكان
عيسى - عليه السلام - في غاية التواضع ؛ يأكل الشجر ، ويلبس الشعر ، ويجلس على التراب ، ويأوي حيث جنه الليل ، لا مسكن له ، - صلى الله عليه وسلم - .
الرابعة : الإشارة بمنزلة الكلام ، وتفهم ما يفهم القول . كيف لا وقد أخبر الله تعالى عن
مريم فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29فأشارت إليه وفهم منها القوم مقصودها وغرضها فقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29كيف نكلم وقد مضى هذا في ( آل عمران ) مستوفى .
الخامسة : قال
الكوفيون : لا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=10473_12250قذف الأخرس ولا لعانه . وروي مثله عن
الشعبي ، وبه قال
الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وإنما يصح القذف عندهم بصريح الزنا دون معناه ، وهذا لا يصح من الأخرس ضرورة ، فلم يكن قاذفا ؛ بالإشارة بالزنا من الوطء الحلال والشبهة . قالوا : واللعان عندنا شهادات ،
nindex.php?page=treesubj&link=15969_16329وشهادة الأخرس لا تقبل بالإجماع . قال
ابن القصار :
[ ص: 31 ] قولهم إن
nindex.php?page=treesubj&link=10476_10474القذف لا يصح إلا بالتصريح ، فهو باطل بسائر الألسنة ما عدا العربية ، فكذلك إشارة الأخرس . وما ذكروه من الإجماع في شهادة الأخرس فغلط . وقد نص
مالك أن شهادته مقبولة إذا فهمت إشارته ، وأنها تقوم مقام اللفظ بالشهادة ، وأما مع القدرة باللفظ فلا تقع منه إلا باللفظ . قال
ابن المنذر : والمخالفون يلزمون الأخرس الطلاق والبيوع وسائر الأحكام ، فينبغي أن يكون القذف مثل ذلك . قال المهلب : وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام مثل قوله - عليه الصلاة والسلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831129بعثت أنا والساعة كهاتين نعرف قرب ما بينهما بمقدار زيادة الوسطى على السبابة . وفي إجماع العقول على أن العيان أقوى من الخبر دليل على أن الإشارة قد تكون في بعض المواضع أقوى من الكلام .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=33والسلام علي أي السلامة علي من الله تعالى . قال
الزجاج : ذكر السلام قبل هذا بغير ألف ولام فحسن في الثانية ذكر الألف واللام .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=33يوم ولدت يعني في الدنيا . وقيل : من همز الشيطان كما تقدم في ( آل عمران ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=33ويوم أموت يعني في القبر
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=33ويوم أبعث حيا يعني في الآخرة ؛ لأن له أحوالا ثلاثة : في الدنيا حيا ، وفي القبر ميتا ، وفي الآخرة مبعوثا ؛ فسلم في أحواله كلها وهو قول
الكلبي . ثم انقطع كلامه في المهد حتى بلغ مبلغ الغلمان . وقال
قتادة : ذكر لنا أن
عيسى - عليه السلام - رأته امرأة يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص في سائر آياته فقالت : طوبى للبطن الذي حملك ، والثدي الذي أرضعك ؛ فقال لها
عيسى - عليه السلام - : طوبى لمن تلا كتاب الله تعالى واتبع ما فيه وعمل به .