الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
270 - حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد ، ثنا يحيى بن سعيد القطان ، ثنا أبو حيان التيمي ، قال : حدثني أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلحم ، فدفع إليه الذراع ، وكانت تعجبه ، فنهس منها نهسة ، فقال : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون لم ذاك ؟ ! .

قال : " يجمع الله الأولين ، والآخرين في صعيد واحد ، فيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس ، فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون ، [ ص: 280 ] ولا يحملون ، فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون إلى ما أنتم فيه ؟ ! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ ! فيقول بعض الناس : آدم ، فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم! أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وعلمك أسماء كل شيء ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا ، لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، نفسي ، نفسي ، نفسي ، نفسي ، أربع مرات ، اذهبوا إلى نوح! .

فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح! ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم نوح : إن ربي قد غضب اليوم غضبا ، لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي ، نفسي ، نفسي ، نفسي ، نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم .

فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم! ، أنت نبي الله ، وخليله من أهل الأرض ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ! فيقول : إن ربي قد غضب اليوم غضبا ، لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى! .

فيأتون موسى فيقولون : يا موسى! ، أنت رسول الله ، الذي اصطفاك الله [ ص: 281 ] برسالته ، وبكلمته على الناس ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول لهم موسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا ، لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، إني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها ، نفسي ، نفسي ، نفسي ، نفسي ، اذهبوا إلى عيسى .

فيقولون : يا عيسى! ، أنت رسول الله ، وكلمة منه ، ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وكلمت الناس في المهد ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول لهم عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا ، لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر له ذنبا ، نفسي ، نفسي نفسي ، نفسي ، اذهبوا إلى محمد! .

فيأتوني ، فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله ، وخاتم الأنبياء ، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش ، فأقع ساجدا لربي ، ثم يفتح الله علي ، ويلهمني من محامده ، وحسن الثناء عليه ، شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، فيقال : " يا محمد! ، ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع ، تشفع! " ، فأقول : يا رب! ، أمتي أمتي! ، يا رب! أمتي أمتي! ، يا رب أمتي أمتي! ، فيقول : " يا محمد! ، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس ، فيما سوى ذلك من الأبواب ، والذي [ ص: 282 ] نفس محمد بيده ، لما بين مصراعين من مصاريع الجنة ، لكما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى " .


التالي السابق


الخدمات العلمية