قال رحمه الله : فهذه مقالة من ذهب من أصحابنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله أبو عبد الله لجبريل صلوات الله عليهما : " الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله " ، الإيمان الكامل .
قال : وقوله : يريد استكملت الإيمان المفترض كله ، قالوا : وذلك لا تكون إلا بأداء الفرائض ، واجتناب المحارم ، واحتجوا بالأخبار التي ذكرناها ، والحجج التي قدمناها . قالوا : والإسلام هو الخصال التي ذكرت في حديث " فإذا فعلت ذلك ، فقد آمنت " جبريل ، وجعلوا الإيمان درجة فوق الإسلام .
* وقالت جماعة أخرى من أهل السنة : إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : كمال الإيمان ، ولكنه أراد الدخول في [ ص: 695 ] الإيمان الذي يخرج به من ملل الكفر ، ويلزم من أتى به اسم الإيمان ، وحكمه من غير استكمال منه للإيمان كله ، وهو التصديق الذي عنه يكون سائر الأعمال ، فقالوا : قال الله : ( " أن تؤمن بالله " إن الدين عند الله الإسلام ) .
وقال : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) . وقال : ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) .
قالوا : فالإسلام الذي رضيه الله هو الإيمان ، والإيمان هو الإسلام بقوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) ، فلو كان الإيمان غير الإسلام لكان من دان الله بالإيمان غير مقبول منه .
قالوا : والإيمان في اللغة هو التصديق ، والإسلام في اللغة هو وإياه أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : الخضوع ، فأصل الإيمان هو التصديق بالله ، وما جاء من عنده ، وعنه يكون الخضوع لله ، لأنه إذا صدق بالله خضع له ، وإذا خضع أطاع ، فالخضوع عن التصديق ، وهو أصل الإسلام ، ومعنى التصديق هو المعرفة بالله ، والاعتراف له بالربوبية بوعده ، ووعيده ، وواجب حقه ، وتحقيق ما صدق به من القول ، والعمل ، والتحقيق في اللغة تصديق الأصل ، فمن التصديق بالله يكون الخضوع لله ، وعن الخضوع تكون الطاعات ، فأول ما يكون عن خضوع القلب [ ص: 696 ] لله الذي أوجبه التصديق من عمل الجوارح الإقرار باللسان ، لأنه لما صدق بأن الله ربه خضع لذلك العبودية مخلصا ، ثم ابتدأ الخضوع باللسان ، فأقر بالعبودية مخلصا كما قال الله عز وجل " الإيمان أن تؤمن بالله " ، لإبراهيم : ( أسلم قال أسلمت ) ، أي أخلصت بالخضوع لك .