786 - حدثنا ثنا أبو حاتم الرازي ، قال : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، أحمد بن عاصم الأنطاكي يقول : قال " من كان بالله أعرف كان من الله أخوف " ، أحمد : صدق والله .
* قال ويقال لهم : أخبرونا عن الحب لله إيمان هو ؟ ! فإن قالوا : لا ، قيل لهم : فما ضد الحب ؟ !فإن قالوا : البغض ، ولا بد لهم من ذلك . أبو عبد الله :
قيل لهم : فالبغض لله إذا ليس بكفر ، لأن الكفر ضد الإيمان ، وما ليس بكفر ليس ضده إيمانا ، لأن اسم [ ص: 729 ] الطاعة عندكم يجمع الأعمال كلها ، المفترضة وغيرها ، فاسم الإيمان طاعة ، وضده معصية كفر ، والفرائض طاعة ، وضدها معصية ، لا كفر ، والنوافل طاعة ، وضدها نقص ، لا معصية ، ولا كفر ، فإذا كان الحب طاعة لا إيمانا ، فالبغض لله معصية ، لا كفر .
فإن قالوا : ليس بغض الله كفرا ، فقد خرجوا من قول أهل الإسلام ، وزعموا أن من أبغض الله كان مؤمنا ، فكل مؤمن وإن أصاب المعاصي ، فهم يرجون له العفو من الله عز وجل ، والرحمة ، فمن أبغض لله فهو مؤمن ، يرجون له أن يدخل جنته ، والله تعالى يقول : ( يحبهم ويحبونه ) ، فأخبر أن أولياءه له محبون ، وهم يرجون أن يكون من أوليائه من أبغضه بعد أن يقربه ، وبما قال .
وإن قالوا : من أبغض الله فهو كافر ، قيل لهم : فقد أثبتم البغض كفرا ، فكذلك الحب إيمان ، لأن الإيمان ضد الكفر ، فما نفى الكفر فهو إيمان ، وما نفى الإيمان فهو كفر .
فإن زعمتم أن الكفر ينفي ما ليس بإيمان ، فإن الإيمان ينفي ما ليس بكفر ، فإذا كان كافرا ببعض المعاني ، ثم أتى بالإيمان ، لم ينتف منه الكفر ، وكان مؤمنا بعد الكفر ، [ ص: 730 ] وكذلك إن أتى بالكفر لم ينتف منه الإيمان ، وكان كافرا مؤمنا ، وهذا التناقض ، والإحالة ، لأن الإيمان في قولكم لا يخرج المؤمن منه إلا بتركه ، ولا يتركه إلا بأخف ضده ، وهو الكفر .
فإن زعموا أن الحب لله إيمان ، والبغض له كفر ، قيل لهم : فقد أضفتم إلى التصديق ، والإقرار ثالثا ، وهو حب الله ، فزعمتم أنه إيمان ، ثم أزلتم التصديق ، والإقرار بزوال الحب ، فقد جعلتم الحب تصديقا ، وإقرارا ، والبغض جحدا ، لأنه لا يكفر العبد إلا بالجحد عندكم ، ولا يؤمن إلا بالتصديق .
وقد كفر بالبغض ، وهو جحد على قولكم ، وآمن بالحب ، فقد ثبت على قولكم : إن الحب تصديق ، والبغض جحد ، فقد خرجتم من اللغة ، والمعقول ، فأين اللغة التي بها اعتللتم ؟ !فإن قالوا : محال أن يعرف الله ، فلا يكون له محبا ، لأنه يصدق به بمعرفته أنه ليس كمثله شيء ، فلا يمتنع من حبه ، ولا يعرض في قلبه البغض ، وذلك موجود في فطرنا ، إنا نعرف من دون الله بالقدرة ، والحلم ، والكرم ، والجود ، والتفضل علينا ، والإحسان إلينا ، والعلم ، والحكمة في نفسه ، فلا تمتنع [ ص: 731 ] قلوبنا أن نحب من كان كذلك ، ومحال أن يساوي الله أحد من خلقه في صفاته ، ومدحه ، فإذا كانت فطرنا لا يمتنع من حب من هو دون الله من الخلق ، إذا عرفنا ببعض المدح ، وكان إلينا محسنا ، فمحال أن يمتنع قلب من عرف الله ، وصدق به ، وأنه المحسن إليه ، وإن لم يصل إليه إحسان قط ، إلا منه ، أن يمتنع من حبه ، فمسألتكم إيانا محال ، إذ سألتمونا عن من أبغض الله ، وصدق به ، فأوجدناكم أن ذلك محال ، فإن قولكم صدق ، وهو مبغض متناقض ، ينقض بعضه بعضا ، كأنكم قلتم صدق ، وهو مكذب ، لأن البغض لا يكون من مكذب ، ومحال أن يكون البغض من مصدق لحالتين : إحداهما أنا لم نر ، ولم نسمع مؤمنا كذلك ، ولم نجده في فطر عقولنا أنا لا نمتنع من حب من أحسن إلينا ، وإن لم يكن في نفسه أهلا للحب .
فكيف من كان في نفسه أهلا لأن يحب ، بل لا تمتنع قلوبنا ممن هو أهل أن نحب ، وإن لم يحسن إلينا ، بل نبذل له من أموالنا ، ونؤثره على أنفسنا ، فإذا اجتمعت فيه الخصال : الكرم ، والعلم ، والتقى ، والنزاهة من كل [ ص: 732 ] مكروه ، وكان إلينا محسنا ، كان حبه في قلوبنا كاملا ، لما عرفناه به ، فليس لأحد أن يساوي الله عز وجل في كرمه ، وجوده ، وحلمه ، وعلمه ، بل لا يشبهه أحد ، وكل إحسان فمنه ، وإن جرى على أيدي الخلائق ، فمحال أن يجتمع التصديق لله ، والبغض له ، ومحال أن يزيل التصديق الحب .
قيل لهم : إنكم أجبتمونا بجواب يلزمكم في معنى جوابكم هذا أن تقولوا بقولنا ، قد وافقتمونا من حيث لا تعلمون ، لأنكم وصفتم المعرفة ، والتصديق ، ثم زعمتم أن العارف المصدق لا يمتنع من الحب لله ، وترك البغض له ، وأن ذلك من الإيمان ، فجعلتم ما يكون عن التصديق إيمانا ، وهذا الذي خالفتمونا من أجله ، لأنكم اعتللتم باللغة ، وأهل اللغة لا يسمون الحب تصديقا ، ولا إيمانا ، ولا البغض كفرا ، لأن الحب عن التصديق يكون ، والبغض عن الإنكار ، والجحد ، فقد أضفتم إلى الإيمان ما أوجبه الإيمان ، وكان عنه ، وكذلك كلما أوجبه الإيمان ، وكان عنه ، فهو إيمان لا فرق بين ذلك .
ومما يدل على ذلك أنك إذا أصدرت اللغة بالعبارة عنهما أنهما موجب للآخر ، عرفت أن المعرفة متقدمة للحب بالبغض . [ ص: 733 ]