وأما قول بعضهم : إن الإيمان يزيد ، فهذا دعوى ادعوها ليثبتوا بها عند الأمة أنهم مقرون بقول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2زادتهم إيمانا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) ، لأنهم يقولون : محال أن يكون الزيادة إلا بعد الكمال ، وأن الجزء الثاني إذا ضم إلى الأول ، فليس بزيادة إلا من جهة العدد ، لا من جهة المعنى المعروف ، لأن الإيمان معلوم ، فإذا ضم جزءا إلى جزء ، ولم يكن ذلك زيادة في الإيمان حتى يتم ، فإذا تم جارت الزيادة على الإيمان ، وهذا تناقض من القول ، لأن الشيء إذا تم ، ثم ضم إليه غيره ، لم يكن منه ، وإنما يكون منه ما كان جزءا منه ، لا أن يضم إليه جزء من غيره ، فإذا كانوا قد أتوا بالإيمان كاملا ، ثم ازدادوا معرفة فيما ادعوا ، ثم زعموا أنها زيادة في الإيمان ، فكيف زاد فيما هو كامل ليس من جنسه ما لم يسم به .
وقد زعموا أن المعرفة هي إيمان مع الإقرار ، فقد جاؤوا بالمعرفة ، والإقرار ، وذلك هو الإيمان الكامل عندهم ، فكيف جاء بمعرفة ، وقد كملت المعرفة ، ولم تبق منها شيء . يأتي بها العارف ، لأن الإيمان معلوم عند الله ،
[ ص: 751 ] وعندهم ، فإذا كمل المعلوم ، ثم جيء بثان بعده ، لم يكن من الإيمان المعلوم إلا أن يزعموا أن الإيمان فرض ، ونافلة ، والنافلة تركها مباح ، وفعلها قربة إلى الله عز وجل ، والكفر ضد الإيمان ، فإن كان الإيمان منه مفترض ، ومنه نافلة فضدهما جميعا الكفر ، فكما كان ترك الإيمان الذي هو فرض بعد ما يترك الإيمان الذي هو نافلة مباح ، فترك الإيمان الذي هو الكفر عندهم ، فكفر بالله مباح ، وكفر محرم ، وهذا لا يقول به إلا مختلط .
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ ، فَهَذَا دَعْوَى ادَّعَوْهَا لِيُثْبِتُوا بِهَا عِنْدَ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ إِلَّا بَعْدَ الْكَمَالِ ، وَأَنَّ الْجُزْءَ الثَّانِي إِذَا ضُمَّ إِلَى الْأَوَّلِ ، فَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ ، لَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَعْلُومٌ ، فَإِذَا ضَمَّ جُزْءًا إِلَى جُزْءٍ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْإِيمَانِ حَتَّى يُتِمَّ ، فَإِذَا تَمَّ جَارَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنَ الْقَوْلِ ، لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا تَمَّ ، ثُمَّ ضُمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ ، لَمْ يَكُنْ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ مَا كَانَ جُزْءًا مِنْهُ ، لَا أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِذَا كَانُوا قَدْ أَتَوْا بِالْإِيمَانِ كَامِلًا ، ثُمَّ ازْدَادُوا مَعْرِفَةً فِيمَا ادَّعَوْا ، ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْإِيمَانِ ، فَكَيْفَ زَادَ فِيمَا هُوَ كَامِلٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ .
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ إِيمَانٌ مَعَ الْإِقْرَارِ ، فَقَدْ جَاؤُوا بِالْمَعْرِفَةِ ، وَالْإِقْرَارِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ عِنْدَهُمْ ، فَكَيْفَ جَاءَ بِمَعْرِفَةٍ ، وَقَدْ كَمُلَتِ الْمَعْرِفَةُ ، وَلَمْ تَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ . يَأْتِي بِهَا الْعَارِفُ ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ ،
[ ص: 751 ] وَعِنْدَهُمْ ، فَإِذَا كَمُلَ الْمَعْلُومُ ، ثُمَّ جِيءَ بِثَانٍ بَعْدَهُ ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِيمَانِ الْمَعْلُومِ إِلَّا أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ فَرْضٌ ، وَنَافِلَةٌ ، وَالنَّافِلَةُ تَرْكُهَا مُبَاحٌ ، وَفِعْلُهَا قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ مِنْهُ مُفْتَرَضٌ ، وَمِنْهُ نَافِلَةٌ فَضِدُّهُمَا جَمِيعًا الْكُفْرُ ، فَكَمَا كَانَ تَرْكُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ بَعْدَ مَا يَتْرُكُ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ نَافِلَةٌ مُبَاحٌ ، فَتَرْكُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ عِنْدَهُمْ ، فَكُفْرٌ بِاللَّهِ مُبَاحٌ ، وَكُفْرٌ مُحَرَّمٌ ، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ إِلَّا مُخْتَلِطٌ .