وقد اختلف أهل العلم في الحاج من أهل مكة ، هل يقصرون الصلاة بعرفة وبجمع كما يقصرها سائر أهل البلدان من الحاج فيهما ؟ فكان يقول : أبو حنيفة بمنى وعرفة إلا المسافرون من الحاج الذين لو لم يكونوا حاجا قصروا الصلاة بها وكان يقول : ليس يجب التقصير في الصلوات بالحج ، وإنما يجب تقصير الصلاة بالسفر وتابعه على ذلك لا يقصر الصلاة زفر بن الهذيل ، ، وأبو يوسف كما قد حدثنا ومحمد بن الحسن سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن ، أبي حنيفة ، وعن أبيه ، عن وأبي يوسف محمد بيان مما ذكرناه عنهم وقد كان يقول هذا القول أيضا . الشافعي
وأما ، فإن مالك بن أنس حدثنا ، قال أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، ، قال : سئل عبد الله بن وهب عن أهل مالك بن أنس مكة ، بعرفة ، ركعتين أو أربعا ؟ وكيف بأمير الحاج إن كان من أهل كيف تكون صلاتهم مكة ، أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات أو ركعتين ؟ وكيف صلاة أهل مكة بمنى في إقامتهم بها ؟ فقال : يصلي أهل مالك مكة بعرفة ما أقاموا بها ركعتين ركعتين ، يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى مكة قال : وأمير الحاج أيضا إن كان من أهل مكة يقصر الصلاة بعرفة وأيام منى .
قال : وإن كان أحد ساكنا بمكة مقيما بها فإن ذلك يتم الصلاة بها ، وأهل عرفة يقصرون مالك بمنى .
ولم نجد التقصير في الصلوات بمنى وعرفة يخلو من وجه من ثلاثة أوجه : إما أن يكون للحج ، فيكون كل حاج بهما يقصر الصلاة ممن منزله فيهما ، وممن طرأ عليهما من [ ص: 140 ] سائر أهل البلدان سواهما ، أو يكون لهما في أنفسهما ، فيكون كل مصل بهما يقصر الصلاة حاجا كان أو غير حاج ، أو يكون للسفر ، فوجدناهم لا يختلفون أن من كان منزله بمنى أو بعرفة من الحاج لا يقصر الصلاة في الذي فيه منزله منهما ، فخرج بذلك أن يكون قصر الصلاة بهما يجب للحج خاصة ووجدنا من كان بهما من أهلهما ، أو من أهل موضع سواهما ممن مسافة بينه وبينهما من المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة ، لا يقصر الصلاة ، فعلمنا بذلك أن قصر الصلاة بهما لا يجب لعلتهما في أنفسهما ، وثبت أنه يجب للسفر خاصة ، فوجب بذلك أن لا يقصر الصلاة من الحاج بمنى وعرفة إلا من لو لم يكن حاجا قصرها بهما فهذا هو القياس عندنا في هذا الباب كما قال الذين ذهبوا هذا المذهب فيه ، والله أعلم وقد كان ، عطاء بن أبي رباح ومجاهد يقولان هذا القول أيضا كما :
1397 - قد حدثنا ، قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ، عن عثمان بن الأسود ، عطاء ومجاهد ، قالا : ليس على أهل مكة قصر في الحج .
وقد روي عن عثمان رضي الله عنه ما يدل على هذا القول أيضا .
1398 - حدثنا ، قال حدثنا يحيى بن عثمان عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي ، قال حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي الموصلي ، قال حدثنا عبد الله بن الحارث بن أبي ذئاب ، عن أبيه ، عن ، أنه صلى بأهل عثمان بن عفان منى أربع ركعات ، فلما سلم أقبل إليهم ، فقال : إني تأهلت بمكة ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تأهل في بلدة فهو من أهلها ، فليصل أربعا ، فلذلك صليت أربعا .
1399 - حدثنا إسماعيل بن حمدويه البيكندي ، قال حدثنا قال حدثنا الحميدي ، عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم ، قال حدثني عكرمة ابن إبراهيم ، عن ابن أبي ذياب ، عن أبيه ، عن رضي الله عنه ، عثمان بن عفان منى أربعا ، فأنكر الناس ذلك عليه ، فقال : يا أيها الناس ، إني لما قدمت مكة تأهلت بها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا تأهل الرجل ببلدة فليصل صلاة المقيم . أنه صلى بأهل
[ ص: 141 ] أفلا ترى أن عثمان لما تأهل بمكة فصار في حكم أهلها ، أتم الصلاة بمنى ، ولم ير خروجه من مكة إلى منى حاجا ، ولا خروجه من منى إلى عرفة حاجا ، يجب له به قصر الصلاة ، فدل ذلك أن مذهبه كان في حاج أهل مكة إتمام الصلاة بمنى وعرفة ، لا يقصرها بهما على مثل ما كان ، أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ومحمد ، يذهبون إليه في ذلك . والشافعي