فأما قوله : وهو معكم أين ما كنتم ، فهو كما قال العلماء : علمه ، وأما قوله : وهو الله في السماوات وفي الأرض ، كما قال : وفي الأرض يعلم ، ومعناه أيضا : أنه وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله [ ص: 144 ] وقد قرأها بعضهم : (وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله) واحتج الجهمي بقول الله تعالى : هو الله في السماوات ، وهو الله في الأرض ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا .
فقالوا : إن الله معنا وفينا ، واحتجوا بقوله : إنه بكل شيء محيط وقد فسر العلماء هذه الآية : ما يكون من نجوى ثلاثة إلى قوله : و هو معهم أين ما كانوا ، إنما عنى بذلك علمه ، ألا ترى أنه قال في أول الآية : ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، فرجعت الهاء والواو من هو على علمه لا على ذاته . ثم قال في آخر الآية : ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ، فعاد الوصف على العلم ، وبين أنه إنما أراد بذلك العلم ، وأنه عليم بأمورهم كلها . [ ص: 145 ]
ولو كان معنى قوله : إن الله بكل شيء عليم ، أنه إنما علم ذلك بالمشاهدة لم يكن له فضل على علم الخلائق ، وبطل فضل علمه بعلم الغيب ؛ لأن كل من شاهد شيئا وعاينه وحله بذاته ، فقد علمه ، فلا يقال لمن علم ما شاهده ، وأحصى ما عاينه : إنه يعلم الغيب ؛ لأن من شأن المخلوق أن لا يعلم الشيء حتى يراه بعينه ، ويسمعه بأذنه ، فإن غاب عنه جهله ، إلا أن يعلمه غيره فيكون معلما لا عالما ، وأحصى كل شيء عددا ، و أحاط بكل شيء علما . والله تعالى يعلم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وما بين ذلك ، وهو بكل شيء محيط بعلمه