الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فأما قوله : وهو معكم أين ما كنتم ، فهو كما قال العلماء : علمه ، وأما قوله : وهو الله في السماوات وفي الأرض ، كما قال : وفي الأرض يعلم ، ومعناه أيضا : أنه هو الله في السماوات ، وهو الله في الأرض ، وتصديق ذلك في كتاب الله : وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله [ ص: 144 ] وقد قرأها بعضهم : (وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله) واحتج الجهمي بقول الله تعالى : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا .

              فقالوا : إن الله معنا وفينا ، واحتجوا بقوله : إنه بكل شيء محيط وقد فسر العلماء هذه الآية : ما يكون من نجوى ثلاثة إلى قوله : و هو معهم أين ما كانوا ، إنما عنى بذلك علمه ، ألا ترى أنه قال في أول الآية : ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، فرجعت الهاء والواو من هو على علمه لا على ذاته . ثم قال في آخر الآية : ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ، فعاد الوصف على العلم ، وبين أنه إنما أراد بذلك العلم ، وأنه عليم بأمورهم كلها . [ ص: 145 ]

              ولو كان معنى قوله : إن الله بكل شيء عليم ، أنه إنما علم ذلك بالمشاهدة لم يكن له فضل على علم الخلائق ، وبطل فضل علمه بعلم الغيب ؛ لأن كل من شاهد شيئا وعاينه وحله بذاته ، فقد علمه ، فلا يقال لمن علم ما شاهده ، وأحصى ما عاينه : إنه يعلم الغيب ؛ لأن من شأن المخلوق أن لا يعلم الشيء حتى يراه بعينه ، ويسمعه بأذنه ، فإن غاب عنه جهله ، إلا أن يعلمه غيره فيكون معلما لا عالما ، والله تعالى يعلم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وما بين ذلك ، وهو بكل شيء محيط بعلمه وأحصى كل شيء عددا ، و أحاط بكل شيء علما .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية