الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فإنما قول الله عز وجل : لا تدركه الأبصار ، لا تحيط به لعظمته وجلاله ، ولكن الجهمي عدو الله إنما ينزع إلى المتشابه ليفتن الجاهل . قالت الجهمية : إنما معنى قوله : إلى ربها ناظرة ، إنما أراد بذلك الانتظار ، فخالفت في ذلك بهذا التأويل جميع لغات العرب ، وما يعرفه الفصحاء من كلامها ؛ لأن القرآن إنما نزل بلسان العرب ، قال الله تعالى : وهذا لسان عربي مبين [ ص: 73 ] .

              وقال : قرآنا عربيا غير ذي عوج ، فليس يجوز عند أحد ممن يعرف لغات العرب ، وكلامها أن يكون معنى قوله : إلى ربها ناظرة الانتظار .

              ألا ترى أنه لا يقول أحد : إني أنظر إليك يعني أنتظرك ، وإنما يقول : أنتظرك ، فإذا دخل في الكلام إلى ، فليس يجوز أن يعني به غير النظر ، يقول : أنظر إليك ، وكذلك قوله : إلى ربها ناظرة ، ولو أراد الانتظار لقال : لربها منتظرة ، ولربها ناظرة ، وذلك كله واضح بين عند أهل العلم ، ممن وهب الله له علما في كتابه ، وبصرا في دينه .

              فاعلم أن كل شيء معناه الانتظار فإنه لا يكون بالتخفيف ، ولا يكون إلا بالتثقيل ، فأما ما عني به الانتظار ، فقوله : هل ينظرون إلا الساعة ، معناه هل ينتظرون إلا الساعة ، ونظير ذلك ، وشبهه وشاهده : فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ، فتبين أن التثقيل إنما هو في الانتظار ، كقوله : ينتظرون ثم قال : إلا فثقل .

              وقال : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ، فهذا انتظار مثقل ، وقال : هل ينظرون إلا تأويله ، يعني : ينتظرون ، فثقل [ ص: 74 ] .

              وقال مما هو بمعنى النظر فخفف : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ، فلما كان معناه النظر ، قال : إلى فخفف .

              وقال : انظروا إلى ثمره إذا أثمر .

              وقال : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟

              وكذلك قوله تعالى : إلى ربها ناظرة معناه : النظر .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية