فلفظ " " يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ، فيدخل أهل السنة [1] في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة ، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلا من يثبت [2] الصفات لله تعالى ويقول : إن القرآن غير مخلوق ، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر ، وغير ذلك من الأصول [3] المعروفة عند أهل الحديث والسنة .
وهذا الرافضي - [ يعني المصنف ] [4] - جعل أهل السنة بالاصطلاح الأول ، وهو اصطلاح العامة : كل من ليس برافضي ، قالوا : هو من أهل السنة . ثم أخذ ينقل عنهم مقالات لا يقولها إلا بعضهم مع تحريفه لها ، فكان في نقله من الكذب والاضطراب ما لا يخفى على ذوي الألباب .
وإذا عرف [ أن ] مراده [5] بأهل السنة السنة العامة ، فهؤلاء متنازعون في إثبات الجسم ونفيه كما تقدم ، والإمامية أيضا متنازعون في ذلك .
وأئمة النفاة هم الجهمية من المعتزلة ونحوهم يجعلون من أثبت الصفات مجسما ، بناء عندهم على أن الصفات [6] لا تقوم إلا بجسم
[ ص: 222 ] ويقولون : إن الجسم مركب من الجواهب المفردة [7] ، أو من المادة والصورة .
فقال لهم أهل الإثبات : قولكم منقوض بإثبات الأسماء الحسنى ، فإن الله حي عليم قدير ، فإن [8] أمكن إثبات حي عليم قدير وليس بجسم ، أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة وليس بجسم ، وإن لم يمكن إثبات [9] ذلك ، فما كان جوابكم عن إثبات الأسماء كان جوابنا عن إثبات الصفات .
ثم أهل السنة الخاصة - أهل الحديث ومن وافقهم - وهو [10] قول أئمة الفقهاء وقول أئمة الكلام من أهل الإثبات ، المثبتون للصفات منهم من يثبت الصفات المعلومة بالسمع ، كما يثبت الصفات المعلومة بالعقل ، وهذا قول كأبي محمد بن كلاب وأبي العباس القلانسي [11] وأبي الحسن [ ص: 223 ] الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد [12] وأبي الحسن الطبري [13] والقاضي أبي بكر بن [14] الباقلاني ، ولم يختلف في ذلك قول وقدماء أئمة أصحابه . لكن المتأخرون من أتباعه الأشعري كأبي المعالي وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية ، وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها [ كالرازي والآمدي وغيرهما ] [15] .
ونفاة الصفات الخبرية منهم [ من يتأول نصوصها ، ومنهم ] [16] من يفوض معناها إلى الله .
[ ص: 224 ] وأما من أثبتها وأئمة أصحابه . فهؤلاء يقولون : تأويلها بما يقتضي نفيها [ تأويل ] كالأشعري [17] باطل ، فلا يكتفون بالتفويض ، بل يبطلون تأويلات النفاة .
وقد ذكر ذلك في عامة كتبه " كالموجز " و " المقالات الكبير " و " المقالات الصغير " و " الإبانة " الأشعري [18] وغير ذلك ، ولم يختلف في ذلك كلامه ، لكن طائفة ممن توافقه وممن تخالفه يحكون له قولا آخر ، أو تقول [19] : أظهر غير ما أبطن ; وكتبه تدل على بطلان هذين الظنين .
وأما القول الثالث - وهو ، القول الثابت عن أئمة السنة المحضة وذويه كالإمام أحمد [20] - فلا يطلقون لفظ الجسم لا نفيا ولا إثباتا لوجهين : [ ص: 225 ] أحدهما : أنه ليس مأثورا لا في كتاب ولا سنة ، ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين [ لهم بإحسان ، ولا غيرهم من أئمة المسلمين ] [21] ، فصار من البدع المذمومة .
الثاني : أن معناه يدخل فيه حق وباطل ، فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل ، والذين نفوه أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو باطل .