وملخص [1] ذلك أن الذين نفوه أصل قولهم أنهم أثبتوا ، فقالوا : الجسم لا يخلو عن الحركة والسكون ، وما لا يخلو عنهما فإنه لا يخلو عن حادث ; لأن الحركة حادثة شيئا بعد شيء ، والسكون إما عدم الحركة وإما ضد يقابل الحركة ، وبكل حال فالجسم لا يخلوا عن الحركة والسكون ، والسكون يمكن حدوث العالم بحدوث الأجسام [2] تبديله بالحركة ، فكل جسم يقبل الحركة فلا يخلو منها أو مما يقابلها [3] ، فإن كان لا يخلو منها - كما تقوله الفلاسفة في الفلك - فإنه حادث [4] ، وإن كان لا يخلو مما يقابلها [5] فإنه [ يقبل ] [6] الحركة ، وما قبل الحركة أمكن [ ص: 226 ] أن لا يخلو منها ، فأمكن أن يخلو من [7] الحوادث ، وما أمكن لزوم [ دليل ] [8] الحدوث له كان حادثا ، فإن الرب تعالى لا يجوز أن يلزمه دليل الحدوث .
ثم منهم من اكتفى بقوله : ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، فإن ما لا يخلو عنها لا يسبقها ( 3 فلا يكون قبلها 3 ) [9] ، وما لا يكون إلا مقارنا للحادث لا قبله ولا يكون إلا حادثا .
وكثير من الكتب المصنفة لا يوجد فيها إلا هذا . وأما حذاق هؤلاء فتفطنوا للفرق بين عين [10] الحادث ونوع الحادث ، فإن [11] لم يعلم امتناع دوام الحوادث وأن لها [12] ابتداء ، وأنه يمتنع تسلسل الحوادث ووجود حوادث لا أول لها ، فصار الدليل موقوفا على امتناع المعلوم أن ما لا يسبق الحادث المعين فهو حادث ، وأما ما لا يسبق نوع الحادث فهذا لا يعلم حدوثه ، وإن [13] حوادث لا أول لها .
وهذا الموضع هو المهم الأعظم في هذا الدليل ، وفيه كثر [14] الاضطراب ، والتبس الخطأ بالصواب .
[ ص: 227 ] وآخرون سلكوا أعم من هذا فقالوا : الجسم لا يخلو عن الأعراض ، والأعراض حادثة لا تبقى زمانين .
ومنهم من يقول : الجسم لا يخلو عن نوع من أنواع [15] الأعراض لأنه قابل له ، والقابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده .
ومنهم من قال : الجسم لا يخلو عن الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، وهذه الأنواع الأربعة هي الأكوان ، فالجسم [16] لا يخلو عن الأكوان .
والكلام في هذه الطرق ولوازمها كثير قد بسط في غير هذا الموضع ، والمقصود هنا التنبيه .
وهذا الكلام ، وإن كان أصله من المعتزلة ، فقد دخل في كلام [ المثبتين للصفات ، حتى في كلام ] [17] المنتسبين إلى السنة الخاصة : المنتسبين [18] إلى الحديث والسنة ، وهو موجود في كلام كثير من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد [19] وغيرهم .