الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه بعث عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وخبيب بن عدي في أصحاب لهما إلى أهل مكة يتخبرون له خبر قريش حتى إذا كانوا بالرجيع اعترضت لهم بنو لحيان من هذيل فقال عاصم:


ما علتي وأنا جلد نابل والقوس فيها وتر عنابل     تزل عن صفحتها المعابل
والموت حق والحياة باطل



[ ص: 109 ] وضارب بسيفه حتى قتل وأسروا خبيب بن عدي فكان عند عقبة بن الحارث فلما أرادوا قتله قال لامرأة عقبة أبغيني حديدة أستطيب بها فأعطته موسى فاستدف بها فلما أرادوا أن يرفعوه إلى الخشبة قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا.


حدثناه محمد بن يحيى الشيباني نا الصائغ نا إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب.

قوله: ما علتي يقول ما عذري في ترك القتال وأنا جلد ومعي سلاح يقال رجل نابل إذا كان معه نبل وهي السهام العربية اسم جماعة فإذا أرادوا الواحد منها قالوا سهم كما قيل لواحد النساء امرأة.

وقوله: وتر عنابل معناه متين صلب يقال في الواحد عنابل بضم العين وفي الجميع عنابل بفتحها لأن فعالل تجمع على فعالل كما قالوا جوالق وفي الجمع جوالق.

والمعابل: النصال العريضة التي لا عير لها وعيرها المرتفع منها في وسطها واحدتها معبلة قال الشاعر:


وآخر منهم أجررت رمحي     وفي البجلي معبلة وقيع

يقال: أجررت الرجل الرمح إذا طعنته به فتركته فيه وقال آخر:


فهذا أوان الشعر سلت سهامه     معابلها والمرهفات السلاجم

[ ص: 110 ]

وقوله: أستطيب بها يريد الاحتلاق وسماه استطابة لما فيه من إزالة الأذى وطهارة البدن كالاستنجاء يسميه أهل الحجاز استطابة لهذا المعنى ومن هذا قوله: فتيمموا صعيدا طيبا أي طاهرا وسمى رسول الله صلى الله عليه المدينة طابة يريد أنها طاهرة من الخبث والنفاق.

وأخبرنا محمد بن هاشم نا الدبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه: "المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها" .

وقوله: استدف بها يريد حلق الشعر واستئصاله وهو مأخوذ من قولك داففت الرجل أدافه وهو إجهازك عليه ويقال في معناه استعان الرجل إذا حلق عانته ويذكر عن بشر بن عمرو بن مرثد أنه حين أريد قتله قال أجيروا لي سراويلي فإني لم أستعن ومنه قول الشاعر [يصف سائلا شبهه بالقراد] :


مثل البرام غدا في أصدة خلق     لم يستعن وحوامي الموت تغشاه

وقوله: اقتلهم بددا أي متفرقين واحدا واحدا ومن رواه بددا فإنه جمع بدة وهي الحصة كأنه قال اجعله أقساما وحصصا على السواء بينهم [ ص: 111 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية