الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
ذكر ما درج عليه الصدر الأول من لزوم الإعراب، وما أنكروه من اللحن وعابوه من أهله.

أخبرنا ابن داسة، نا محمد بن عيسى بن السكن، نا أبو عمران الجبلي: موسى بن إسماعيل، نا نوح بن عباد، عن الحكم بن عبد الله الأيلي، عن الزهري، عن سالم عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب على قوم يرمون رشقا لهم، فأساؤوا الرمي، فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن قوم متعلمين، فقال عمر: لإساءتكم في لحنكم شر من إساءتكم في رشقكم أو رميكم، رحم الله امرأ أصلح من لسانه.

أخبرنا أحمد بن عبد العزيز بن شابور، نا علي بن عبد العزيز، أراه عن رجل، عن عبد الواحد بن زياد، عن المسعودي، عن القاسم، قال: قال عمر: تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل.

حدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثت عن أحمد بن حنبل، نا يحيى بن آدم، نا أبو بكر، عن عاصم قال: كان زر بن حبيش الأسدي من أعرب الناس، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية [ ص: 61 ] .

حدثنا عبد الرحمن بن الأسد، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يضرب ولده على اللحن .

أخبرني محمد بن المكي: أنا الصائغ، نا سعيد بن منصور، أنا هشيم، أنا حصين، أنا عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت ابن عباس يسأل عن عربية القرآن فينشد الشعر. قال سعيد: ونا جرير بن عبد الحميد، عن إدريس -وكان من خيار الناس- قال: قيل للحسن: إن لنا إماما يلحن، فقال: أخروه.

حدثنا عبد الله بن شاذان الكراني، أنا زكريا بن يحيى الساجي، نا الحسن بن إدريس، نا العلاء بن عمرو، نا عبد القدوس، عن حجاج قال: قال عطاء: وددت أني أحسن العربية، وهو يومئذ ابن تسعين سنة .

أخبرني أبو رجاء الغنوي، نا أبي، نا عمر بن شبة، حدثني عفان، عن همام قال: ما سمعتم من حديث قتادة ملحونا فأعربوه، فإن قتادة كان لا يلحن .

أخبرني ابن شابور، نا علي بن عبد العزيز، نا الزبير بن بكار، نا النضر بن شميل، عن الخليل بن أحمد قال: لحن أيوب، فقال: أستغفر الله.

أخبرنا الكراني، نا عبد الله بن شبيب، نا زكريا بن يحيى المنقري، نا [ ص: 62 ] الأصمعي قال: سمعت حماد بن سلمة يقول: (من لحن في حديثي فليس يحدث عني ) .

أخبرني محمد بن يعقوب المتوثي، نا أحمد بن عمرو الزئبقي، نا أبي، نا الأصمعي قال: قال لي شعبة: إني وصفتك لحماد بن سلمة، وهو يحب أن يراك، قال: فوعدته يوما فذهبت معه إليه فسلمت عليه، فحيا ورحب، فقال له شعبة: يا أبا سلمة، هذا ذاك الفتى الأصمعي الذي ذكرته لك، قال: فحياني بعد وقرب، ثم قال لي: كيف تنشد هذا البيت:


أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ...

فقلت:


أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا     وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

يعني بكسر الباء، فقال لي: انظر جيدا، فنظرت فقلت: لست أعرف إلا هذا، فقال: يا بني، أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا بضم الباء، القوم إنما بنوا المكارم، ولم يبنوا باللبن والطين، قال: فلم أزل هائبا لحماد بن سلمة ولزمته بعد ذلك.

قال أبو سليمان: وأنشدنيه بعض الأثبات، عن محمد بن حاتم المظفري، أنشدناه الرياشي فقال: البنا بالضم، قال: وواحدتها بنية. قال أبو العباس [ ص: 63 ] محمد بن يزيد: واحدتها بنية وبنية، فجمع بنية بنى، مثال كسرة وكسر، وجمع بنية بنى مثل ظلمة وظلم، فأما المصدر من بنيت بناء فممدود، ويشبه أن يكون حماد إنما اختار الضمة وأنكر الكسرة فيها لئلا يلتبس بالبناء الذي هو باللبن والطين، إذ كان من مذهبهم أن يستجيزوا قصر الممدود في الشعر.

وأخبرنا ابن الأعرابي نا الدوري، عن يحيى بن معين، قال: كان شعبة صاحب عربية وشعر .

وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك، نا الدغولي، نا المظفري، نا أبو بهز بن أبي الخطاب السلمي قال: كان زريع أبو يزيد بن زريع على عسس بلال بن أبي بردة، قال: فقال لي: بلغني أن أهل الأهواء يجتمعون في المسجد ويتنازعون فاذهب فتعرف ذاك، قال: فذهب ثم رجع إليه فقال: ما وجدت فيه إلا أهل العربية حلقة حلقة، فقال له: ألا جلست إليهم حتى لا تقول حلقة حلقة. قال أبو سليمان: وإنما هي الحلقة، حلقة القوم وحلقة القرط ونحوها .

أخبرني أبو عمر أنا ثعلب، عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال: لا أقول حلقة إلا في جمع حالق. وحدثني محمد بن معاذ، أنا بعض أصحابنا، عن أبي داوود السنجي: سمعت الأصمعي يقول: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) ; لأنه لم [ ص: 64 ] يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه، فهؤلاء الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أعلام الحديث وحفاظ الأثر كل منهم يحض على تقويم اللسان وإعراب الكلام، ويذم اللحن ويهجن أهله،  وعلى هذا مضى من لم نذكره منهم، حيث كانوا في كل عصر وزمان، وفي كل مصر ومكان إلا عوام الغثر الذين لا نظام لهم ولا اعتبار بمذاهبهم، فإن فساد كل صناعة من كثرة الأدعياء وقلة الصرحاء، وطلاب الحديث كثير وأصحابه قليل.

حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: أردت الخروج إلى البصرة فصرت إلى أحمد بن حنبل، وسألته الكتاب إلى مشايخها، فكلما فرغ من كتاب قرأته فإذا فيه: وهذا فتى ممن يطلب الحديث، ولم يكتب من أصحاب الحديث.

التالي السابق


الخدمات العلمية