الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أنه قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى".  

[ ص: 595 ] قال ابن قتيبة: العليا المعطية، والسفلى السائلة.

قال أبو سليمان : وهذا وجه حسن. وفيه وجه آخر أشبه بمعنى الحديث، وهو أن تكون العليا المتعففة، وقد روي ذلك مرفوعا.

حدثونا به، عن علي بن عبد العزيز، نا عارم، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه يخطب: "اليد العليا خير من اليد السفلى".

اليد العليا: اليد المتعففة.

ورواه ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "اليد العليا المتعففة، واليد السفلى السائلة".

وأخبرنا ابن داسة، نا أبو داود، قال: روى عبد الوارث، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: اليد العليا المتعففة.

ويؤكد هذا حديث حكيم بن حزام، أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة وسعيد بن المسيب: أن النبي صلى الله عليه أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه، فقال حكيم: يا رسول الله، ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد، فزاده حتى رضي، فقال رسول الله:

"اليد العليا خير من اليد السفلى". قال: ومنك يا رسول الله ؟ قال: "ومني" قال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أحدا شيئا، فلم يقبل عطاء [ ص: 596 ] ولا ديوانا حتى مات.


قال أبو سليمان : فلو كانت اليد العليا المعطية؛ لكان حكيم قد توهم أن يدا خير من يد رسول الله ؛ لقوله: ومنك يا رسول الله؟ يريد أن التعفف من مسألتك كهو عن مسألة غيرك، فقال صلى الله عليه: "نعم" فكان بعد ذلك لا يقبل العطاء. وكان عمر يقول: اللهم اشهد أني عرضت عليه عطاءه فأبى ولم يقبله.

وأنشدني أبو عمر، قال أنشدنا أبو العباس ثعلب، عن ابن الأعرابي:


إذا كان باب الذل من جانب الغنى سموت إلى العلياء من جانب الفقر     صبرت وكان الصبر مني سجية
وحسبك أن الله أثنى على الصبر

يريد التعفف عن المسألة. يقال: علي يعلى علاء في المكارم، وعلا يعلو علوا في الجبل ونحوه. قال الشاعر:


وباع بنيه بعضهم بخشارة     وبعت لذبيان العلاء بمالكا

وروي فيه وجه ثالث عن الحسن قال: اليد العليا المعطية، واليد السفلى المانعة.

[ ص: 597 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية