وأما فمنها الذي يخص البعض دون البعض ، حتى لو امتنع الشهود عن البداية أو ماتوا أو غابوا كلهم أو بعضهم - لا يقام الرجم على المشهود عليه ، وهذا قول البداية من الشهود في حد الرجم إذا ثبت بالشهادة أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن ومحمد استحسانا . أبي يوسف
وروي عن رواية أخرى أنها ليست بشرط ويقام الرجم على المشهود عليه وهو قول أبي يوسف - رحمه الله - وهو القياس ، وجه القياس أن الشهود فيما وراء الشهادة وسائر الناس سواء ، ثم لا تشترط البداية من أحد منهم فكذا من الشهود ; ولأن الرجم أحد نوعي الحد فيعتبر بالنوع الآخر وهو الجلد ، والبداية من الشهود ليست بشرط فيه كذا في الرجم . الشافعي
( ولنا ) ما روي عن سيدنا رضي الله عنه أنه قال : يرجم الشهود أولا ، ثم الإمام ، ثم الناس وكلمة " ثم " للترتيب ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم [ ص: 59 ] ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد ; فيكون إجماعا ; ولأن في اعتبار الشرط احتياطا في درء الحد ; لأن الشهود إذا بدءوا بالرجم - ربما استعظموا فعله فيحملهم ذلك على الرجوع عن الشهادة فيسقط الحد عن المشهود عليه بخلاف الجلد ; لأنا إنما عرفنا البداية شرطا استحسانا بالأثر - فيسقط الحد عليه ، والأثر ورد في الرجم خاصة فيبقى أمر الجلد على أصل القياس ; ولأن الجلد لا يحسنه كل أحد ففوض استيفاؤه إلى الأئمة - بخلاف الرجم ، والله - تعالى - أعلم . علي
ومنها ، حتى لو بطلت الأهلية بالفسق أو الردة أو الجنون أو العمى أو الخرس أو حد القذف ، بأن فسق الشهود أو ارتدوا أو جنوا أو عموا أو خرسوا أو ضربوا حد القذف كلهم أو بعضهم - لا يقام الحد على المشهود عليه ; لأن اعتراض أسباب الجرح على الشهادة عند إمضاء الحد بمنزلة اعتراضها عند القضاء به ، واعتراضها عند القضاء يبطل الشهادة فكذا عند الإمضاء في باب الحدود عن القضاء . أهلية أداء الشهادة للشهود عند الإقامة في الحدود كلها
وأما موت الشهود وغيبتهم عند الإقامة فلا يمنعان من الإقامة في سائر الحدود إلا الرجم ، حتى لو ماتوا كلهم أو غابوا كلهم أو بعضهم - يقام الحد على المشهود عليه إلا الرجم ; لأنهما ليسا من أسباب الجرح ; لأن أهلية الشهادة لا تبطل بالموت والغيبة بل تتناهى وتتقرر وتختم بها العدالة على وجه لا يحتمل الجرح ، وفي حد الرجم إنما يمنعان الإقامة لا لأنهما يجرحان في الشهادة بل ; لأن البداية من الشهود شرط جواز الإقامة - ولم توجد .
وروي عن في محمد - أن الإمام يرمي ، ثم الناس ، وجعل قطع اليد أو المرض عذرا في فوات البداية ، ولم يجعل الموت عذرا فيه ، وإن ثبت الرجم بالإقرار يبدأ به الإمام ، ثم الناس ، والله - تعالى - أعلم . الشهود إذا كانوا مقطوعي الأيدي أو بهم مرض لا يستطيعون الرمي
ومنها أن لا يكون في خوف الهلاك ; لأن هذا الحد شرع زاجرا لا مهلكا ، فلا يجوز الإقامة في الحر الشديد والبرد الشديد ; لما في الإقامة فيهما من خوف الهلاك ، ولا يقام على مريض حتى يبرأ ; لأنه يجتمع عليه وجع المرض وألم الضرب ; فيخاف الهلاك ، ولا يقام على النفساء حتى ينقضي النفاس ; لأن النفاس نوع مرض ويقام على الحائض ; لأن الحيض ليس بمرض ، ولا يقام على الحامل حتى تضع وتطهر من النفاس ; لأن فيه خوف هلاك الولد والوالدة ، ويقام الرجم في هذا كله إلا على الحامل ; لأن ترك الإقامة في هذه الأحوال للاحتراز عن الهلاك والرجم حد مهلك ، فلا معنى للاحتراز عن الهلاك فيه إلا أنه لا يقام على الحامل ; لأن فيه إهلاك الولد بغير حق . إقامة الجلدات
ولا يجمع الضرب في عضو واحد ; لأنه يفضي إلى تلف ذلك العضو ، أو إلى تمزيق جلده ، وكل ذلك لا يجوز ، بل يفرق الضرب على جميع الأعضاء من الكتفين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين إلا الوجه والفرج والرأس ; لأن الضرب على الفرج مهلك عادة ، وقد روي عن سيدنا رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { علي اتق وجهه ومذاكيره } والضرب على الوجه يوجب المثلة وقد { } ، والرأس مجمع الحواس وفيه العقل فيخاف من الضرب عليه فوات العقل أو فوات بعض الحواس . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة
وفيه إهلاك الذات من وجه وقال - رحمه الله - أيضا : لا يضرب الصدر والبطن ، ويضرب الرأس سوطا أو سوطين أما الصدر والبطن ; فلأن فيه خوف الهلاك . أبو يوسف
وأما الرأس ; فلقول سيدنا رضي الله عنه : اضربوا الرأس فإن فيه شيطانا ، والجواب أن الحديث ورد في قتل أهل الحرب خصوصا قوما كانوا عمر بالشام يحلقون أوساط رءوسهم ، ثم تفريق الضرب على الأعضاء مذهبنا ، وقال - عليه الرحمة : يضرب كله على الظهر ، وهذا ليس بسديد ; لأن المأمور به هو الجلد وأنه مأخوذ من ضرب الجلد ، والضرب على عضو واحد ممزق للجلد ، وبعد تمزيق الجلد لا يمكن الضرب على الجلد بعد ذلك ; ولأن في الجمع على عضو واحد خوف الهلاك ، وهذا الحد شرع زاجرا لا مهلكا ، والله سبحانه وتعالى أعلم . الشافعي