الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما حكم الأمان ، فهو ثبوت الأمن للكفرة ; لأن لفظ الأمان يدل عليه ، وهو قوله : أمنت فثبت الأمن لهم عن القتل والسبي والاستغنام ، فيحرم على المسلمين قتل رجالهم ، وسبي نسائهم وذراريهم ، واستغنام أموالهم وأما صفته فهو أنه عقد غير لازم ، حتى لو رأى الإمام المصلحة في النقض ينقض ; لأن جوازه مع أنه يتضمن ترك القتال المفروض ، كان للمصلحة ، فإذا صارت المصلحة في النقض نقض .

                                                                                                                                وأما بيان ما ينتقض به الأمان فالأمر فيه لا يخلو من أحد وجهين ، إما أن كان الأمان مطلقا ، وإما أن كان مؤقتا إلى وقت معلوم فإن كان مطلقا فانتقاضه يكون بطريقين ، أحدهما : نقض الإمام ، فإذا نقض الإمام انتقض ، لكن ينبغي أن يخبرهم بالنقض ، ثم يقاتلهم لئلا يكون منهم غدر في العهد .

                                                                                                                                والثاني : أن يجيء أهل الحصن بالأمان فينقض ، وإذا جاءوا الإمام بالأمان ينبغي أن يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فإلى الذمة ، فإن أبوا ردهم إلى مأمنهم ، ثم قاتلهم احترازا عن الغدر ، فإن أبوا الإسلام والجزية ، وأبوا أن يلحقوا بمأمنهم ، فإن الإمام يؤجلهم على ما يرى فإن رجعوا إلى مأمنهم في الأجل المضروب ، وإلا صاروا ذمة لا يمكنون بعد ذلك أن يرجعوا إلى مأمنهم ; لأن مقامهم بعد الأجل المضروب التزام الذمة دلالة ، وإن كان الأمان مؤقتا إلى وقت معلوم ينتهي بمضي الوقت من غير الحاجة إلى النقض ، ولهم أن يقاتلوهم إلا إذا دخل واحد منهم دار الإسلام ، فمضى الوقت ، وهو فيه ، فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية