والثاني ، الموادعة وهي : المعاهدة والصلح على ترك القتال  يقال : توادع الفريقان أي تعاهدا على أن لا يغزو كل واحد منهما صاحبه والكلام في الموادعة في مواضع : في بيان ركنها ، وشرطها ، وحكمها ، وصفتها ، وما ينتقض به أما ركنها : فهو لفظة الموادعة ، أو المسالمة ، أو المصالحة ، أو المعاهدة ، أو ما يؤدي معنى هذه العبارات وشرطها الضرورة ، وهي ضرورة استعداد القتال ، بأن كان بالمسلمين ضعف ، وبالكفرة قوة المجاوزة إلى قوم آخرين ، فلا تجوز عند عدم الضرورة ; لأن الموادعة ترك القتال المفروض ، فلا يجوز إلا في حال يقع وسيلة إلى القتال ; لأنها حينئذ تكون قتالا معنى قال الله - تبارك وتعالى - { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم    } . 
وعند تحقق الضرورة لا بأس به ; لقول الله - تبارك وتعالى - { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله    } وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع أهل مكة  عام الحديبية  على أن توضع الحرب عشر سنين ولا يشترط إذن الإمام بالموادعة  ، حتى لو وادعهم الإمام ، أو فريق من المسلمين من غير إذن الإمام جازت موادعتهم ; لأن المعول عليه كون عقد الموادعة مصلحة  [ ص: 109 ] للمسلمين وقد وجد . 
ولا بأس بأن يأخذ المسلمون على ذلك جعلا ; لأن ذلك في معنى الجزية ، ويوضع موضع الخراج في بيت المال ، ولا بأس أن يطلب المسلمون الصلح من الكفرة ويعطوا على ذلك مالا إذا اضطروا إليه ; لقوله - سبحانه وتعالى - { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها    } أباح - سبحانه وتعالى - لنا الصلح مطلقا ، فيجوز ببدل أو غير بدل ، ولأن الصلح على مال لدفع شر الكفرة للحال ، والاستعداد للقتال في الثاني من باب المجاهدة بالمال والنفس ، فيكون جائزا وتجوز موادعة المرتدين  إذا ` غلبوا على دار من دور الإسلام ، وخيف منهم ، ولم تؤمن غائلتهم لما فيه من مصلحة دفع الشر للحال ، ورجاء رجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم ، ولا يؤخذ منهم على ذلك مال ; لأن ذلك في معنى الجزية ، ولا يجوز أخذ الجزية من المرتدين  ، فإن أخذ منهم شيئا لا يرد ; لأنه مال غير معصوم . 
ألا ترى أن أموالهم محل للاستيلاء كأموال أهل الحرب ؟ وكذلك البغاة تجوز موادعتهم    ; لأنه لما جازت موادعة الكفرة ; فلأن تجوز موادعة المسلمين أولى ، ولكن لا يؤخذ منهم على ذلك مال ; لأن المال المأخوذ على ترك القتال ، يكون في معنى الجزية ، ولا تؤخذ الجزية إلا من كافر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					