( فصل ) .
وأما بيان وما يتصل بها ، فنقول - وبالله التوفيق - هاهنا ثلاثة أشياء : النفل ، والفيء ، والغنيمة فلا بد من بيان معاني هذه الألفاظ وما يتعلق بها من الشرائط والأحكام . حكم الغنائم
( أما ) في اللغة فعبارة عن الزيادة ، ومنه سمي ولد الولد نافلة ; لأنه زيادة على الولد الصلبي ، وسميت نوافل العبادات لكونها زيادات على الفرائض ، وفي الشريعة عبارة [ ص: 115 ] عما خصه الإمام لبعض الغزاة تحريضا لهم على القتال ، سمي نفلا لكونه زيادة على ما يسهم لهم من الغنيمة ، والتنفيل هو تخصيص بعض الغزاة بالزيادة ، نحو أن يقول الإمام : من أصاب شيئا فله ربعه أو ثلثه أو قال : من أصاب شيئا فهو له أو قال : من أخذ شيئا أو قال : من قتل قتيلا فله سلبه أو قال لسرية : ما أصبتم فلكم ربعه أو ثلثه أو قال : فهو لكم وذلك جائز ; لأن التخصيص بذلك تحريض على القتال ، وأنه أمر مشروع ومندوب إليه . النفل
قال الله - تعالى عز شأنه - { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } إلا أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ ; لأن التنفيل بكل المأخوذ قطع حق الغانمين عن النفل أصلا ، لكن مع هذا لو رأى الإمام المصلحة في ذلك ففعله مع سرية جاز ; لأن المصلحة قد تكون فيه في الجملة ، ويجوز التنفيل في سائر الأموال من الذهب والفضة والسلب وغير ذلك ; لأن معنى التحريض على القتال يتحقق في الكل ، والسلب هو ثياب المقتول وسلاحه الذي معه ، ودابته التي ركبها بسرجها وآلاتها ، وما كان معه من مال في حقيبة على الدابة ، أو على وسطه .
( وأما ) حقيبة غلامه ، وما كان مع غلامه من دابة أخرى ، فليس بسلب ولو اشتركا في قتل رجل كان السلب بينهما ، فإن بدأ أحدهما فضربه ، ثم أجهزه الآخر بأن كانت الضربة الأولى قد أثخنته وصيرته إلى حال لا يقاتل ولا يعين على القتال فالسلب للأول ; لأنه قتيل الأول .
وإن كانت الضربة الأولى لم تصيره إلى هذه الحالة فالسلب للثاني ; لأنه قتيل الثاني ولو قتل رجل واحد قتيلين أو أكثر فله سلبه وهل يدخل الإمام في التنفيل ؟ إن قال : في جميع ذلك منكم لا يدخل ; لأنه خصهم وإن لم يقل : منكم يدخل ; لأنه عم الكلام ، هذا إذا نفل الإمام ، فإن لم ينفل شيئا ، فقتل رجل من الغزاة قتيلا لم يختص بسلبه عندنا .
وقال - رحمه الله تعالى : إن قتله مدبرا منهزما لم يختص بسلبه ، وإن قتله مقبلا مقاتلا يختص بسلبه واحتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الشافعي } نصب الشرع ، ولأنه إذا قتله مقبلا مقاتلا فقد قتله بقوة نفسه فيختص بالسلب ، وإذا قتله موليا منهزما فإنما قتله بقوة الجماعة فكان السلب غنيمة مقسومة . من قتل قتيلا فله سلبه وهذا منه عليه الصلاة والسلام
( ولنا ) أن القياس يأبى جواز التنفيل والاختصاص بالمصاب من السلب وغيره ; لأن سبب الاستحقاق إن كان هو الجهاد وجد من الكل ، وإن كان هو الاستيلاء والإصابة ، والأخذ بذلك حصل بقوة الكل فيقتضي الاستحقاق للكل ، فتخصيص البعض بالتنفيل يخرج مخرج قطع الحق عن المستحق ، فينبغي أن لا يجوز إلا أنا استحسنا الجواز بالنص وهو قوله - تبارك وتعالى : { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } والتنفيل تحريض على القتال بإطماع زيادة المال ; لأن من له زيادة غنى وفضل شجاعة ، لا يرضى طبعه بإظهار ذلك مع ما فيه من مخاطرة الروح ، وتعريض النفس للهلاك ، إلا بإطماع زيادة لا يشاركه فيه غيره فإذا لم يطمع لا يظهر فلا يستحق الزيادة والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
( وأما ) الحديث فلا حجة له فيه ; لأنه يحتمل أنه نصب ذلك القول شرعا ، ويحتمل أن يكون نصبه شرطا ، ويحتمل أنه نفل قوما بأعيانهم فلا يكون حجة ، مع الاحتمال نظيره قوله عليه الصلاة والسلام { } أنه لم يجعله من أحيا أرضا ميتة فهي له حجة لملك الأرض المحياة بغير إذن الإمام لمثل هذا الاحتمال والله - سبحانه وتعالى - أعلم . أبو حنيفة